ترجمة عبدالإله النعيمي بيروت: دار الساقي 2002م، 318 صفحة
السؤال ؟؟؟
كيف أحصل على هذا الكتاب
؟ ؟ ؟ ؟
ما جاء في مذكرات «البدوي الأخير»
أولئك الذين لا يزال فيهم بقايا عشق لفضاء الصحراء يسحرهم عالم الرمال وتأسرهم حكايا البدو، يشدهم الوله لها يبحثون عن خيال وذكريات علقت يوما ما، عندما كانت هناك حضارة البادية. فيهم قصص وتاريخ وصدى يذهب ويأتي كلما جاء ذكر ذلك المجد الذي دفنته المدينة وغاب في التراب.
اولئك العشاق المخلصون قد يجدون في حكايات «البدوي الأخير» بعض السلوى وشيئاً من الحنين. سيعلمهم ذلك الذي عايش آخر البدو، ان عشقهم كان في محله وان عالمهم القديم يستحق البكاء والوفاء له، فالبداوة والصحراء تخطى سحرهما قامات الرمال ونسب القبائل والمنتسبين لصلبها، لقد وصل إلى الغرباء الذين سمعوا بها ولم يذوقوا منها سوى طعم الصور الجامدة التي كانت تحدثهم عنها.
كيف يمكن لمواطن اوروبي ان يترك تلك الحياة، تلك الحضارة وتلك الجنة وتلك الرفاهية ليعيش سنوات في الصحراء، واين في اماكن طواها النسيان ولا يصل لها سوى المحترفين المتمرسين في دروبها وتضاريسها. يأتي لها بحثا عن امر عزيز لا يكون الا فيها، انه هواه، عشق يسكن قلبه ان يصل الصحراء العربية ويعيش بين القبائل العربية بحثا عن اشهر شعراء البادية. هذا هو الهولندي مارسيل كوربر شوك في كتابه «البدوي الاخير» والذي صدرت طبعته الاولى باللغة العربية هذا العام عن دار الساقي وترجمة عبدالله النعيمي. في هذا المؤلف يكتب الدبلوماسي شوك تفاصيل بعض ذكريات المكان والناس الذين قابلهم في السنوات التي قضاها متنقلا بين القبائل البدوية في صحراء المملكة العربية السعودية.
يحاول في رحلته هذه ان ينقل تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها هناك، كيف تأقلم معهم وكيف كانوا معه كرماء جدا مثل طبعهم دائما مع اي ضيف غريب «لم اتقن قط فن العجن في كرات (اللقمة) ولكن عدا ذلك كل شيء يكون في خدمة الضيف الآتي من الخارج: من كل الجهات اياد مشغولة ترمي بلا تكلف اطيب اللقم في التجويف الموضوع امام الضيف. بصعوبة بالغة تمكنت من ابتلاع بعض اللقم الرمزية.
وهناك حدود لما يمكن للمعدة غير المتمرنة ان تستوعبه من الضيافة العربية، ولكن الاحتجاجات لا تجدي نفعا، وكانت تلك ذبيحتي السادسة من الخراف او الماعز في غضون ثلاثة ايام.
وفي نهاية رحلتي كانت المملكة العربية السعودية فقدت قطيعا واحدا على الاقل من قطعانها، ذبحت خرافه على شرفي، وحتى يومنا هذا لا استطيع النظر إلى خروف في الحقل دون شعور بالذنب نحو فصيلة الاغنام برمتها». يصف شوك كيفية تقبل البدو المتشددون منهم في دينهم لهذا الغريب المسيحي، كيف هاجموه في البداية، وايضا محاولتهم نصيحته ودعوته للاسلام، ومن ثم امر التعود عليه وقبوله بينهم. في احدى صفحات الكتاب يصف موقفا فيه طرافة البدوي، عندما حل عليه الضيفان، ووجد امامه هذا الغريب الذي اصبح واحدا منهم فطلب منه (الفزعة) كيف ناداه «عطران» وكيف لبى النداء مارسيل: «كان عطران ينتظر ضيوفا ذلك المساء، ويعني ذلك ان على اهله ان يذبحوا نعجة، توجهت احدى البنات إلى قطيع الغنم ثم غطست برأسها بين الاغنام قبل قدميها وامسكت احداها. جاء عطران راكضا ووضع السكين على رقبة النعجة وامرني قائلاً «ردد معي باسم الله، والآن قل لا إله الا الله» وبعد تردد لبيت طلبه، «والآن قل واشهد ان محمدا رسول الله» اصبحت اللعبة اكثر مما احتمل فتوقفت عن اللعب. وبعد ان وصل الضيوف وادوا الصلاة في صف طويل قرب جمالهم، وفور عودة الجميع إلى البساط واجهت السؤال الاول: هل انا مسلم، وكم مسلما يعيشون في هولندا؟ وكالعادة دائما رد فعل الحلقة غضبا ممزوجا بالدهشة على جوابي بأن عدد المسلمين لا يزيد على نسبة مئوية ضئيلة وان الاسلام في بلدي يعتنقه في الغالب مهاجرون من مجتمعات اسلامية غريبة. تمتم اكبرهم سنا «كفار، زنادقة، مشركون» ادركت ان بقائي بصحبة المطوعة ذوي الشماغات من دون عقال لم يعد موضع ترحيب فنهضت». وفي مكان آخر من الكتاب يعرض لبعض المحاولات لدعوته الدخول في الاسلام وترغيبه في ذلك ببساطة البدوي «مرة اخرى كان علي ان استمع إلى قصة اليهودي الذي انقذ روحه في اللحظة الاخيرة باختيار الاسلام عندما رأى عدل الخليفة علي، «الآن اريد منك شيئين» قال سلطان بلهجة معلم ودود لكنه صارم بلا مهادنة «اولا ان تصبح مسلما لا تدع زوجتك تضحك عليك» ثم جر اذني من شحمتها «اعترف الم تستحلفك زوجتك الا تغير دينك خلال رحلتك، ثم اريد منك ان تطلق لحيتك وقل ان شاء الله سأهتدي إلى الاسلام» اكدت لسلطان ان «النية ليست بعيدة ومن يدري فقد افتح ذات يوم مكتبا لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في هولندا».
البدو سخروا من هذا الهولندي الغريب والحجة التي جاء بها ليدخل عالمهم ويحتك بهم، لم يصدقوه طبعا في البداية. يصف الباحث موقفا حدث له في بدايات وصوله عندما كان في ضيافة خالد بن شليويح شيخ قبيلة «العتيبي»، فعندما اقبل الضيف كعادته كل يوم، وجد هذه المرة ثلاثة رجال ينتظرون عند بوابة الشيخ، ولم يكن يعلم ان صاحب البيت لم يكن راغبا في مقابلتهم، كما غمز له بعد ذلك الخادم البنغلاديشي «شافي»، فأخذه الفضول للتعرف عليهم ودخل معهم في حوار عن اصول القبائل «قدمت نفسي ومن باب اللياقة شرحت ان سبب وجودي هو الرغبة في اجراء بحث ميداني عن تراث الشاعرين العربيين الكبيرين شليويح وبخيت حيث هناك اهتمام كبير بهما في هولندا. الرجل الغاضب ذو اللحية الصغيرة سخر بازدراء وقال مهددا «لا تظن انك تستطيع ان تضحك علينا، لا تستطيع ان تخدعنا بأن في هولندا من سمع ببخيت وشليويح، اسماء ملوكنا عبدالعزيز، فيصل، فهد، نعم، ربما يعرفون هؤلاء في بلدك لا أكثر» ولكنني اصررت على ان شهرة فرسان الصحراء هؤلاء تمتد بعيدا خارج الحدود، وجادلت قائلاً «ليس هذا بجنون، او ليس شليويح واحدا من ثلاثة شيوخ سميت بأسمائهم ثلاثة شوارع في الرياض مع عمر بن ربيعان وراكان بن حثلين من العجمان؟».
لم يكن لديهم جواب ولكن تعبير من لا يصدق ظل مرتسما على وجوههم، قلت مشجعا «لا تقلقوا خالد سيأتي قريبا» ولكن في اللحظة ذاتها رمقني الخادم شافي بنظرة توبيخ، فحولت مجرى الحديث سألت «من انتم، ما هي قبيلتكم؟» قالوا باقتضاب «عتيبة». «نعم، طبعا، الروقة ولكن ماذا بعد ذلك، ذوي عطية، ثم ماذا بعدها الخراريص. «أها» قلت موظفا معرفتي التي اكتسبتها من منيف، اذا اتوقع انكم من الموية. كانوا الآن مندهشين حقا «ما هو ببسيط» تمتموا مع بعضهم بعضا».