راج مصطلح «التغريب» في الحراك الفكري بشكل لافت، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالمرأة أو الحرية أو الابتعاث، وهو ما يطبع في الذهن أنها خصوصية محلية، إلا أن السلفية الحركية (السرورية) في السعودية فيما يبدو، نقلت الهم المحلي إلى دول الربيع العربي (ليبيا، مصر). ففي مطلع الأسبوع الجاري، شاركت مجلة البيان في تنظيم فعاليات مؤتمر «تحديات ما بعد الربيع العربي» المقام في ليبيا مع تجمُّع الأصالة الليبي والمركز العربي للدراسات الإنسانية في القاهرة، وشهدت الجلسات نقاشاً مع نخبة من العلماء ورموز العمل الإسلامي، حول حماية المجتمع والمرأة الليبية من التغريب ومناقشة التحديات، في الحقوق والواجبات. أبرز الأسماء المشاركة في المؤتمر، مفتي ليبيا الصادق بن عبدالرحمن الغرياني ورئيس المؤتمر الوطني العام محمد يوسف المقريف والأمين العام لرابطة علماء المسلمين ناصر العمر ورئيس تحرير مجلة البيان أحمد بن عبدالرحمن الصويان ومحمد العبدالكريم من السودان وعادل الحمد من البحرين وجهاد عايش من فلسطين، إضافة إلى أكثر من 60 مفكر وعالم عربي وإسلامي. وأوضح رئيس تجمع أصالة الليبي علي السباعي أن المؤتمر يتناول البحث في موضوع الهوية الثقافية للشعب الليبي، إضافة إلى بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على النسيج الاجتماعي والتحدي الطائفي في ليبيا والنزاعات المنتشرة التي حاول النظام السابق استغلالها في خدمة مصالحة وأثرها في تشكل الكيان السياسي والإداري للدولة الليبية الجديدة. من جانبه، تحدث مفتي ليبيا الصادق الغرياني عن أسس بناء الدولة الحديثة وموقفه من المرحلة الراهنة، فقال: «إن المرحلة تتطلب بناء دولة حديثة يقدر فيها الناس أقدارهم وينزلون منازلهم، وتكون المفاضلة بالخبرة والعطاء والإخلاص وليس بالولاء والجهوية والقبلية، وهذا الأمر يحتاج منا إلى الوحدة والصدق وتكاثف الجهود. وأضاف: «يجب أن نكون داعمين لكل من يريد تحكيم الشريعة والمحافظة على ثوابتنا، ويجب أن يسير بمن متوازيين وأولهما صياغة دستور لا يكون ذا معايير وضوابط هشة مثل أن نقول إن «الشريعة هي مصدر التشريع»، وهذا الأمر موجود في بعض الدول، لكن الأنظمة تتملص من تطبيقه»، واقترح أن يكون هناك نص واضح لإحكام شرع الله، ويكون نصه واضحاً ويكون مضبوطاً ومحكوماً وجامعاً مانعاً، وأن يكون بالنص التالي: «دين الدولة الإسلام ولا يجوز إصدار أي تشريع يخالف أحكامنا وغير ذلك باطلاً». أما الجزئية الثانية التي تحدث عنها الغريان هي تطبيق الدستور وذكر أن هناك حاجة إلى إعداد جيل مؤمن لتحكيم الشريعة والحفاظ على الثوابت الوطنية، وتأمين انتخابات برلمانية نزيهة وأن يكون رقيباً على تطبيق الدستور بوضعه السليم. وأشار الغرياني إلى أن الشريعة الإسلامية تؤكد أهمية التنمية والتقدم والتطور وبناء دولة عصرية حديثة تزدهر فيها الحياة وتتوافر الوسائل الممكنة، وفيها حل مشكلات الشباب وتأهيلهم وتحقيق طموحاتهم، ليكون العمل في الإسلام شعارنا. وأبدى الأمين العام لرابطة علماء المسلمين ناصر العمر تفاؤله، لأن الثورة قضت على الطغيان وكل ما خلفه، إذ قام بزيارة دار الإفتاء الليبية وأبلغ القائمين عليها بأنها كانت مركزاً أمنياً للنظام السابق، لكنها اليوم مقراً للمفتي الصادق الغرياني، وعقب العمر على ذلك قائلاً: «العلماء هم من يحققون الأمن، لأن أمن القلوب والعقول يمنع الظالم من ظلمه والسارق من سرقته»، وذكر أن الناس تحت حكم النظام السابق انقسموا إلى قسمين: نفوس أبية ونفوس منهزمة والنفوس الأبية هي التي انتفضت، أما النفوس المنهزمة استسلمت ويجب التخلص منها، لأنها تربت على الهزيمة. في حين لفت علي السباعي إلى أن أمام ليبيا ما بعد الثورة وإسقاط النظام البائد تحديات كبيرة للوصول إلى مرحلة الاستقرار وتحقيق تطلعات الشعب الليبي والحفاظ على مكتسبات ثورة 17 فبراير المباركة. وسرد مواقف من زمن النظام الليبي السابق قائلاً: «كنا إذا خرج الإنسان لصلاة الفجر أصبح في نظر النظام زنديقاً ولا يعود إلى بيته، كانت الناس تعجز عن حمل الكتب الإسلامية أو الأشرطة، ولكننا اليوم بفضل الله تعالى بين أصحاب هذه الكتب والأشرطة وبين علمائنا يجولون في بلاد المسلمين منم دون معيق». ورأى السباعي أن العقائد والأفكار لا يمكن أن تنضبط من دون كتاب الله تعالى، لذلك فإن المؤتمر يركز على القضايا الفكرية وكل ما يتعلق بالهوية الثقافية للشعب الليبي وقضايا الطائفية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا المرأة وفقه المصالح والمفاسد.