إن ظاهرة خروج الدم من الشرج مشكلة شائعة ويمكن أن يتعرض لها الإنسان في مختلف الأعمار. وقد تكون أسبابها بسيطة لا تستوجب القلق وقد تكون أحياناً نتيجة حالات تشكل خطورة عالية آنية ومستقبلية مثل قرحة المعدة أو الاثني عشري أو الأورام الخبيثة في الجهاز الهضمي.
وأول ما نود معرفته هو كيفية التعرف على موقع النزف وسببه من ملاحظة الدم الذي يخرج من الشرج. كيف تحدد مكان النزيف؟
1 ـ إذا كان النزف الدموي من الجزء الأعلى للجهاز الهضمي فإن الدم سيفقد لونه الطبيعي متحولاً نحو الدكانة وحتى الاسوداد (حسب موقع النزيف) نتيجة تعرض الدم نفسه إلى عمليات الهضم. ويختلف تغير اللون هذا باختلاف كمية الدم الموجودة في الأمعاء وسرعة حركتها.
2 ـ إذا كان النزف من القولون وخاصة الجزء الأيسر منه، فإن الدم سيحافظ على لونه الأحمر ولكنه سيكون ممتزجاً مع البراز لأن النزف حصل في منطقة لم يتصلب البراز فيها بعد.
3 ـ إذا كان النزف في منطقة المستقيم أو الشرج فإن لون الدم سيكون أحمر قان وغير ممتزج مع البراز. أي أننا نلاحظ أن الدم يحيط ويغلف البراز ولكنه غير ممتزج معه. ويلاحظ أحياناً خروج الدم وحده دون وجود براز.
تحديد أسباب النزيف
نعود إلى لون الدم وامتزاجه مع البراز لمعرفة سبب النزف..
1 ـ ففي حالة اللون المتغير ـ الداكن أو الأسود ـ فإن مصدر الدم هو بداية الجهاز الهضمي وتعتبر قرحة المعدة والاثني عشري المصدر الرئيسي لمثل هذه الحالات تليه في الأهمية ونسبة الحدوث أورام المعدة.
وكذلك من الممكن أن يكون النزف الدموي من الأمعاء الدقيقة أو من بداية القولون نتيجة التهابات الأمعاء الحادة والمزمنة وكذلك الأورام المعوية.
ويتم التفريق بين مختلف هذه الحالات من دراسة تاريخ المرض لدى الشخص المصاب وأعراض المرض التي سبقت النزف الدموي يلي ذلك إجراء الفحوصات اللازمة للتشخيص الدقيق.
2 ـ في حالة الدم الأحمر الممزوج مع البراز فإن مصدره القولون وخاصة الجزء الأيسر منه والسبب الرئيسي لمثل هذه الحالات هو أورام القولون والتي تسبب النزف وانسداد الأمعاء يليه في الأهمية الالتهابات التقرحية المزمنة للقولون.
3 ـ الدم النقي وغير الممتزج مع البراز فمصدره أورام المستقيم أو البواسير أو الفطر الشرجي.
فإذا كان النزف مصحوباً بألم، فهو بسبب الفطر الشرجي على الأغلب. وإذا كان الدم يقطر وحده أثناء الجلوس في الحمام فهو إما بواسير أو فطر.
وكل نزف يحدث هنا يجب التحري عنه بصورة جيدة لأن أورام المستقيم والقولون قد تصيب الأعمار الشابة إضافة إلى أن وجود ورم في المستقيم قد يسبب احتقاناً في منطقة الشرج مسبباً البواسير والتي قد تبدو لأول وهلة وكأنها السبب الوحيد.
البواسير
السبب الأكثر شيوعاً للنزف الدموي من الشرج وهي تنجم عن احتقان وتوسع في الأوردة الدموية فتتشكل شبكة منها مؤلفة مع الأنسجة الليفية الموضعية ما يشبه الوسادة في منطقة المستقيم أو الشرج. ويزداد الاحتقان فيها مع زيادة الضغط في منطقة الحوض مثل الزحار أثناء التغوط أو رفع الأثقال أو الوقوف الطويل. كما أن النزف فيها ينتج من شدة خارجية موضعية عمل البواسير كما في حالة مرور الخروج الصلب أو الضغط الزائد نتيجة (الكيس) الذي يلجأ إليه المريض أثناء الإصابة بالإمساك أو ارتفاع الضغط داخل الجوف البطني.
في داخل الشج خط مسنن يشكل منطقة التقاء النسيج المخاطي المبطن للأمعاء مع النسيج الجلدي المبطن لمنطقة الشرج. فإذا كانت البواسير أعلى وهذا الخط فهي بواسير داخلية وإذا كانت أسفل منه فهي بواسير خارجية.
والبواسير الداخلية هي الأكثر شيوعاً وتكون مغلفة بطبقة من الأنسجة المخاطية. وكثيراً ما تنزف ولكن بدون ألم.
وتقسم البواسير الداخلية إلى أربع مراحل حسب درجة احتقانها وأعراضها:
أ ـ المرحلة الأولى: يشكو المريض من النزيف المتكرر من دون أي بروز للبواسير خارج فتحة الشرج.
ب ـ المرحلة الثانية: البواسير تبرز إلى خارج الشرج أثناء التغوط. وتعود لحالتها ذاتياً.
جـ ـ المرحلة الثالثة: تنزف البواسير إلى الخارج أثناء التغوط ولا تعود لحالتها الطبيعية إلا بمساعدة الدفع اليدوي.
د ـ المرحلة الرابعة: تنزف البواسير ولا ترجع إلى الداخل وتبقى مختنقة خارج الشرج.
وفي جميع هذه الحالات يشعر المريض بالامتلاء في منطقة الشرج مع وجود إفرازات مخاطية إضافة إلى النزف الدموي.
هل من علاج؟
يمكن تجنب البواسير لأن معظمها ينتج عن سوء تنظيم في حركة القولون وعادات التغوط. فإذا تم التأكيد على تناول كمية من الألياف مع الأكل والإكثار من شرب السوائل فإن كمية الخروج ستكون أكبر ونوعيته ستكون أكثر ليونة مما يقلل من الحاجة للجلوس في الحمام لفترات طويلة.
وهذه الطريقة مفيدة لعلاج المراحل الأولى من البواسير إضافة إلى تجنب حدوث البواسير أصلاً.
العلاج الطبي المحافظ: ويتم بالتركيز على الوسائل الواردة من محاولة تجنب البواسير والاستمرار فيها لمدة قد تطول بشرط شعور المريض بالتحسن نتيجة استخدامها سواء بتقليل الأعراض والاحتقان وانقطاع النزف.
أما إذا فشل العلاج التحفظي في شفاء الحالة ومنع الأعراض فيتم اللجوء إلى الطرق الأخرى ومنها:
1 ـ الحلقات المطاطية: وهي طريقة سهلة ويتم في العيادة الخارجية ولا تحتاج إلى تخدير. وتكون ذات فائدة جيدة في البواسير النازفة والمتدلية وخاصة في المرحلة الثانية والثالثة من البواسير الداخلية.
ويتم تركيب الحلقة المطاطية حول البواسير باستعمال منظار المستقيم حيث تسحب الباسورة داخل أسطوانة الناظور الخاصة والتي تحتوي على الحلقات التي يتم انزلاقها وتلبيسها حول الباسورة لتحبس عنقها وتمنع الدم عنها مما يسبب تلف وتليف الباسورة ثم سقوطها خلال 710 أيام.
2 ـ التخثر الضوئي: وهي طريقة سهلة وبسيطة حيث تسبب الحرارة الموضعية تليفاً وتلفاً في نسيج البواسير وقاعدتها الدموية وتتم بتسليط هذا التخثر على عدة نقاط من البواسير. وهي جيدة في المرحلة الأولى والثانية من البواسير على أن لا تكون الباسورة كبيرة أو ذات قاعدة عريضة.
3 ـ التجميد الموضعي (الكرايو) حيث يؤدي التجميد المفاجئ إلى تلف وتليف مستقبل للبواسير لمنع أعراضها واستمرارها وهي مفيدة في المرحلة الأولى والثانية وقسم من المرحلة الثالثة.
4 ـ الزرق الموضعي: تتم المعالجة بهذه الطريقة باستعمال مادة (الفينول) أو ما شابه لزرقها موضعياً في البواسير باستعمال ناظور الشرج وهذه المادة تؤدي إلى تليف الأنسجة المكونة للبواسير وقطع أعراضها ويجب الحذر من استعمال هذه الطريقة من تجنب الزرق عند النسيج المخاطي المغلف للبواسير حيث انها قد تؤدي إلى تقرحات شديدة موضعية.
5 ـ العلاج الجراحي: إن جميع الوسائل التي مرت أعلاه يتم إجراؤها في العيادة الخارجية دون الحاجة إلى تخدير عام أو دخول مستشفى، أما العلاج الجراحي فيحتاج إلى دخول مستشفى وتخدير (عام أو نصفي).
وتستعمل هذه الطريقة للمراحل الثالثة والرابعة من البواسير وكذلك في حالة وجود بواسير خارجية أو زوائد جلدية معها. حيث يتم توسيع الشرج تحت التخدير ثم عزل كل باسورة ورفعها وخياطة منطقة ارتباطها بجدار المستقيم وإعادة البطانة الداخلية للمستقيم إلى موضعها.
وهناك حالات خاصة وطارئة تحدث في البواسير وتستوجب المداخلة والعلاج الفوري ومنها:
أ ـ حالات التخثر والنزف المفاجئ في البواسير الخارجية. وتحدث نتيجة تمزق مفاجئ في أحد المكونات الدموية الشعرية أو الوريدية للبواسير حيث تنتفخ بسرعة وتكون مصحوبة بألم وقد تحتاج إلى فتح وتنظيف الخثرة، وتتم عادة باستعمال التخدير الموضعي وفي العيادة الخارجية.
ب ـ في حالات الاحتقان الشديد للبواسير تبرز إلى الخارج وتنتفخ انتفاخاً شديد نتيجة التورم بحيث تكون أكبر حجماً من فتحة الشرج مما يستحيل إرجاعها إلى الداخل وهي مصحوبة بآلام شديدة.
ويتم علاجها بإعطاء المسكنات والمضادات الحيوية والراحة التامة في الفراش وتقليل حالات التغوط بالتقليل أو الامتناع عن الطعام لحين ذهاب الورم وعودتها إلى داخل المستقيم.
إن استعمال التخدير الموضعي على هذه البواسير المنتفخة يخفف من الآلام ويساعد على تقليل شدة تقلص المعصرة الشرجية والذي يؤدي بدوره إلى تقليل الاحتقان.
كذلك من الممكن استعمال بعض الأنزيمات بزرقها موضعياً في البواسير المختنقة مما يساعد على امتصاص وتسريب السوائل من البواسير فيصفر حجمها وتسهل عودتها إلى الداخل.
وإذا لم تستجب البواسير المختنقة للعلاج المحافظ خلال يومين، يجب التدخل الجراحي لأن استمرار الاختناق يؤدي إلى التقرح الموضعي والالتهابات.
أما إذا استجابت البواسير للعلاج المحافظ فإن المريض يحتاج إلى عملية مستقبلية ولو أن هناك بعض الحالات التي تؤدي إلى تليف كامل بعد حدوث الاختناق بحيث لا تحتاج إلى عملية بعد ذلك.