الإخوة الكرام / هذه حروف قديمة كتبتها من زمن لكنني أرجو ان يكون فيها فائدة و عبرة ..
و لعلها تكون لي بداية عودة لأن أكتب ما يعن في الخاطر .. و ابتداء أشكرالاخ الكريم [ فاسكر ] على أن أتاح لي المشاركة باسمه في ساحتكم .. فشكرا ثم شكرا .. و الله أسأل التوفيق .. مع النفس وقفة .. أخبرني صديقي بحالة أول مولود له ، إذ وُلد و كانتأمعاؤه خارجة عن جسده .. و تم اكتشاف ذلك منذ أن كان في رحم أمه .. لكنه لميطمئن لقول طبيب واحد .. فذهب بزوجه ـ حفظها الله ـ لمستشفى آخر و أخبره الطبيببأنه لا يوجد ما يدعو للخوف .. و قبل الولادة أخبروه إن الماء الخاص بالجنين قد قللدرجة كبيرة و يخافون على الجنين من الخطر فقاموا بعملية قيصرية .. ثم وجد الأطباءبعد ذلك أنه يجب عليهم أن يقوموا بعدة إجراءات أولها أن يتم تحويل المولود لمستشفىآخر ؛ لأن المستشفى التي هو فيها لا يوجد بها معدات طبية كافية ، بعد أن توجه الأخالكريم بابنه و فلذة كبده لمستشفى آخر أخبره الأطباء بأن العملية ربما لا تنجح ، وأن عليه التوقيع على الموافقة بإجراء العمليات .. جسم الولد الصغير ما زال لا يقوىعلى قبول البنج و ربما فقد المولود حياته أثناء عملية التبنيج .. لكن ما على المضطرإلا ركوبها .. فوافق و كله أمل و خوف ، و كله فيكله في حياة طفله الذي ما زال في بدايةحياته .. شعرتُ من خلال حديث زميلي أن الألم يحيطه و الخوف على وليده يعصف به .. يقول : لكن ما عندي حل في تلك الأثناء ، فإن عاش فالحمد لله و إن أخذه اللهفالحمد لله .. ثم يكمل : و وقعتُ على الموافقة و أُجريت له العملية الأولى و تمت العملية و الحمدلله كتب الله لها النجاح و خرج ابني من العملية الأولى و تم إدخال الأمعاء للجسد وها هو ابنه يقفز أمامه و يأكل و يشرب و يبكي و يصيح و يدب على الأرض كأي مولود .. أثناء تلك العمليات كان زميلي يقطع المسافات الطويلة بين مكان ولده و إقامة أهلهو بين عمله ، و طلب من عمله إعطاءه إجازة من غير مرتب ؛ حتى يبقى بجوار ولده وزوجه و رزقه الله بمدير طيب القلب يقدر الظروف الشخصية و يحمل قلبا إنسانيا و ساعدهكثيرا في محنته و مصيبته و أخبره أنه في أي وقت أراد الذهاب فليذهب بعد إشعارهمبرحيله .. فيقول زميلي : و الله ما قصر المدير معي و شعرت ـ رغم ظروفه ـ بالحرج منالمدير و كيف لي أن أوفيه حقه و أوفيه جميل صنيعه ؟!
أخبركم أحبتي أن ابن زميلي قد كتب الله له الحياة و ها هو ـ و الحمد للهـ يعيش كما يعيش كل إنسان على هذه الأرض ، لكن المحن و المصائب و الكدر مكتوب علىبني آدم :" لقد خلقنا الإنسان في كبد " جُبلت على كدر و أنت تريدها صفوا من الأكدارو الأسقام ؟! فما أن بدأت مصيبته في ولده توشك على النهاية ، و إذا به يُفجع فيأبيه فقد حانت ساعة النهاية و كتب الله علينا في هذه الدنيا أن نذوق طعم الموت و أنالفراق حاصل ، فعاشر من تعاشر لا بد من فراق .. و من جميل وقفات المدير الإنساني أنسمح لزميلي بالتغيب لأربعة أيام أو زيادة على أن يحضر عزاء والده و يحمد زميلي ربهعلى أن كتب عليه ما كتب .
و النفس كالطفل إنتتركه شب على حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم
هذه النفس التي بينجنبينا و تسكن الجسد تتراوح بين السمو و الوضاعة ، بين طهارة حبة البرد المباركةالتي أنزلها الله إلينا فهي مباركة حديثة عهد بربها .. و بين قذارة و نتانة الروث والفرق كبير ، بين نفس مؤمنة استجابت لنداء ربها و سكنت و توقفت عند حدوده و نواهيهو أتت بالواجبات المفروضة عليها إن كانت تلك الواجبات دينية أو اجتماعية في حين إنمرجع و مآل الواجبات ـ تركا و إيجابا ـ هو الدين :" قل إن صلاتي و نسكي و محيايو مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين " و بين نفسكافرة أبت الإيمان و التصديق و الوقوف عند حدود ما فرضه خالقها عليها فـ :" إنهم كالأنعام بل هم أضل " .. ثم تتراوح النفوس زكاة و رفعة و مهانة وضعة بين ظلملذاتها و ظلم لغيرها .. و الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا علة لا يظلم .. و من أكبرالظلم الذي قرره الله في كتابه العزيز الظلم الموجه للنفس بتركها في الشرك :" إنالشرك لظلم عظيم " و أكبر فوز و أجمله ما بعث الله به الأنبياء و الرسل من إخراجالعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من أجله و لإقامته اقتتل الأنبياء معمن خالفهم .. أقصد به توحيد الألوهية :" يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا و السماء بناء و أنزل منالسماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون " .
و مع النفس التي نحملها وقفات فإذا كانت النفوس عظاماتعبت في مرادها الأجسام .. و الحقيقة أنني أتأمل في النفس كثيرا فيا لها من مخلوقعجيب فهي مسيَّرة بأمر صاحبها إن أمسك زمامها و قادها للخير انقادت طائعة ذليلة وذلها رفعة فمن علا على هواه عقله فقد علا ، و إن تركها شبت على المنكرات فتصبح ـتبعا لها ـ القلوب على قلبين قلبا نكتت فيه نكتة سوداء فيصبح كالكوزي مشخيا لا يعرفمعروفا و لا ينكر منكرا إلا ما استشرب من هواه و قلبا أبيض مصقولا كالمرآة إذ عُرضت عليه الذنوبفأنكرها و إن وقع في إثم و سوء ـ من فاحشة أو لمم ـ طرق باب التوبة و الإنابة وسلك طريق الدعاء و استغفر مقتديا بهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم حين أخبرأنه يستغفر سبعين مرة و يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ثم الجواب النبوي يقول :" أفلا أكون عبدا شكورا " و :" قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " .
من في حاجة من؟
قد مضت القرون المفضلة و تناقصت الخيرية من قرن لقرنو ها نحن في قرن صح فيه :" ظهر الفساد في البر و البحر " و ما تزال النفس مُعجبةمغرورة مبهورة مأسورة بما وصل إليه الإنسان من حضارة و تقدم علمي دُنويفالأضواء تُبهر النظر و المباني المعانقة للسحاب حجبت التفكر في خلق الله من ملكوتالسماوات و دقة صنع الباري سبحانه و تعالى و التطور في مجال الاتصال قد جعل العالمقرية صغيرة وأقول : أصبح العالم كالقدر الموضوع على نار هادئة و هذا القدر مملوءثلجا كلما سَخن تغيرت بعض ملامح ما يحمله بين حرارة و برودة حتى رأينا الزحفالجليدي يؤثر علينا و هو يبعد المسافات الطويلة ، و من زمن عرف العالم الحركاتالتكتونية في الصفائح الأرضية و كيف أنها أثرت على ما نراه اليوم من توزيع للكنوزالأرضية .
بعد أن تخلى المسلم تدريجيا ـ بإرادته أو مزاحمة من غيره ـ عن قيادةالأرض و توقف عن البحث و أصبح العالم الإسلامي ـ إلا ما ندر و عز ـ منقادا لمايُحدثه الإنسان غير المسلم ـ على اختلاف ديانته و توجهه العقدي ـ في الشرق و الغرب، من متاع الدنيا و زخرفها ، و تبعا لهذا الانقياد تولد عندنا الإعجاب و الإكبار ،و النظرية الاجتماعية التي قال بها ابن خلدون في مقدمته في العلاقة بين الغالب والمغلوب تظهر بوضوح في أن الغالب قد أثر في المغلوب من حيث اللغة و التشبه والتبعية الفكرية ، فأصبحنا تحت رحمة غير المسلم عله يمدنا بما توصل إليه و يكوندورنا دور المتلقي المنتظر للخير ، حتى أصبحنا نرى البرامج المشيدة باليابان وغيرها تفتح العيون و الأسماع على و صولهم و تخلفنا و على جهودهم و كسلنا و علىنباهتهم و بلاهتنا و على نظافتهم و قذارتنا و على تقدمهم و تأخرنا و على عملهم ونومنا و على انضباطهم و همجيتنا و على أمانتهم و سرقتنا و على حبهم للحيوان و قتلناللحية و الحدأة و الفأرة و الوزغ ، و على حرصهم و إضاعتنا و على مدارسهم و مساجدناو على راتب الكناس عندهم ـ مهندس البيئة ـ و معلمنا ، كل هذا في مقارنة تجعل الحليمحيرانا و العالم مندهشا و الشاب المراهق يئن من قلبه ـ آهات ـ حتى تسمع من جوفه صدىالألم و الحسرة فينظق اللسان : قد وصلوا القمر و نحن ما زلنا في حلال و حرام منحجاب و اختلاط و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .. و قل ما شئت و ما لم تشأيقوله غيرك ..
لستُ من الراضين بحال الفرد المسلم و حال الأمة المسلمة فالشاهد والحال يخبر بكل إفصاح و بيان أننا في بعد عن القيادة للإنسانية ـ ربما ـ وحالنا كالطير مقصوصا جناحاه ، و أصبحنا ـ في النظرة الأولى ـ عالة و من العالمالثالث حسب تصنيف المتطورين .
و لستُ ممن لا ينبهر بالبلاط الناعم النظيف فيالمراكز و المولات و التكييف المركزي و السيارات الجديدة التي فيها مانع الانزلاقبانبهار فطري نفسي بل إنني أتمنى ـ أحيانا ـ أن ألبس حذاء يزحلق و أعطيها زحلقة منأول السوق لآخر السوق على الأقل أحسن من السكك التي كنا نتزحلق عليها أيام الطفولة، فكيف بطفل اليوم و شاب اليوم من أبناء المسلمين و هو في حال من الضياع و الضعفالديني و البعد عن العقيدة و قلة التأسيس العقدي و الانفتاح و التحرر تأتيهبمثل تلك المشاهد التي جعلت منا من يقول : يا ليتني كناس في اليابان !! إنني فيحاجة ماسة مع هذه الظروف أن أمسك بيد قوية بمعنى العزة الحقة و معرفة الهدف الأهممن هذه الدنيا .. إنني في حاجة ـ و أنا شاب ـ أن تقول لي قال الله تعالى :" إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا و ألئك هم وقودالنار " إنني في حاجة لتقوي عقيدتي المبهورة بالحضارة اليوم لتربطني بـ :" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " إنني في حاجة لأن تقول لي قول عمر بن الخطاب ـ أمير المؤمنين ـ :" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله " .. إننا فيحاجة اليوم للعودة للدين الإسلامي . يوجد مَنْ ـ كثير أو قليل ـ لا يستطيعونالتمييز بين الإسلام و المسلمين فينسبون ضعف المسلمين للإسلام ، و هذا يدخلللنفس من غير أن يشعر صاحبها إن لم يفطن و لم ينتبه ، فإذا شبع المسلم الشاب منمعرفة العزة الحقة و أصبحت الدنيا مكشوفة جلية لا تساوي عند الله جناح بعوضة و قويفي نفسه أنها سجن المؤمن و جنة الكافر و تمكنت منه عقيدة الولاء و البراء عندهايعلم أن الدنيا دار للسعي و الدين الإسلامي دين شمول و كمال .. فيأخذ ما حسنهالإسلام مأخذ التطبيق و التنفيذ في الواقع و يبتعد عما نهى عنه الدين بعد الخائف المحب لطاعة ربه الراجي للجنة و الفار من النار . و هذا من شأنه تعريفناأهمية المصدر الذي نأخذ عنه قيمنا و توجهاتنا من أين نأخذها .. فمن قال الله و قالالرسول مستضيئين بنور العلم من العلماء الربانيين ، لا أن نأخذه من بوذي أو نصرانيأو غيرهما . إن كانت المقارنة بيننا فأقم المقارنة على كل وجه .. و إليك نوعا منالمقارنة بينهم و بيننا .. في حين ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضىمن العصا .. خذ أعلمهم في نظرك و اسأله : لماذ خلقك الله ؟ فسيجيب .. ثم اسأل طفلافي ثالث ابتدائي و اسأله : لماذا خلقك الله ؟ فسيجيب . ثم قارن .. و من المقارنة فيأنهم يضعون غائط الكلاب في أكياس مخصصة و أن النظافة عندهم لها أهمية كبيرة فاللهيقول :" إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين " ...
أعجبني كثيرا قولالشيخ محمد المنجد ـ حفظه الله ـ بالمعنى ـ " فعلى العالم أن يعلم طلابه تقدير العلم و المنهج لا تقديره هو .." قلتُ : و هذا هوالمنهج الذي يُقدر الحق من أي مكان جاء و يرفض الباطل من أي مكان جاء فعلى الإنسانأنيحتاط لنفسه و يعلمها ما ينجيها من المهالك و يحفظها من الزلل ، و يكون لنفسهمراقبا فلا يختلط عليه قول من كان يظن فيه خيرا و إذا به تغير في الطريقة و المنهج .. ليجد الإجابة الصحيحة للسؤال / من في حاجة من؟
خاتمة الوقفة الأولى / لستُ في حاجة لأقول في نظري لأن ما تراه في نظري .. و رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي .