سعادة المدير العام تعوذ من إبليس وفكنا من شرك مش أوراقي وإلا ترا ابكبر الموضوع وابن سعود فاتحن بابه»! «معاريض الطفارى»..!
الأسياح، تحقيق - سعود المطيري القارئ للتاريخ في عهد الخلافة والعصر الإسلامي لا يجد ما يدل على وجود "المعروض" المعروف حالياً، وبات يسبقنا إلى معظم المؤسسات والإدارات الحكومية أو أصحاب وجاهة وشأن، حيث كان صاحب الحاجة يقدم إلى باب الوالي ثم يقف أمامه ويُدلي بحاجته أو مظلمته معتمداً على بلاغته وفصاحته، وكان بعضهم يقدمها سجعاً أو شعراً، وبقي الحال هكذا إلى عهد قريب، إلاّ أنه مع تشعب المسؤوليات وكثرة المطالب وتدرج الصلاحيات بعد ما أصبحت الحكومة مسؤولة عن أغلب شؤون المواطن، وتلبية احتياجاته، من خلال إناطة المسؤولية إلى مؤسسات وإدارات متعددة تلقى مطالب الأفراد، ظهرت عندها الحاجة إلى "معروض" أو خطاب يكون "مفتاح طلب" يُقدّم إلى الجهة المعنية التي اتجه إليها من أجل شأن ما أياً كان.
« إلى مدير رئيس الكهرباء.. اخوياك اعتدوا على راعي البقالة في ديرتنا وسكروا الكهرب والأغراض خربت من هي عليه الخساير؟»
مقطوعة أدبية وحظي "المعروض" في العقود الماضية بعناية واهتمام الكثيرين، حتى حوّله البعض إلى مقطوعة أدبية؛ بغرض تخفيف العُقد النفسية لدى بعض المسؤولين، ودغدغة مشاعرهم، ووضعوا لهذا المعروض بنوداً لا بد من توفرها وأسموها "شروط المعروض الفعال"، وأبرزها التاريخ والمقدمة والتحية وشرح الحالة والثناء والاستعطاف؛ بمعنى أن تكيل مزيداً من الثناء والتبجيل بمكيال من لا يخشى النفاد لصاحب السعادة، وتجعل من سعادته الشخص الذي لا تستقيم الامور بدونه، وتُطعّم عباراتك بشيء من الذل والخنوع قبل أن تُغدق عليه عبارات الدعاء له ولابنائه ووالديه.
«الطبيب المجرم ذابح التيس بالبنج وهو من سلالة معروفة جده الرابع سحاب داخلٍ علي بسبعة آلاف يخسّرهن لي»!
وفي السنوات الاخيرة تحول أسلوب كتابة المعروض من السرد والحشو وكل إرث الماضي إلى الإيجاز وحصر المضمون بحدود الطلب، ولجأت كثير من الادارات الحكومية إلى الاستعاضة عنه باستمارة مطبوعة تحوي خانات تشمل كل المعلومات التي يحتاجها المسؤول؛ إلاّ أن حاجتنا للمعروض التقليدي بقيت مع بعض القضايا والمطالبات الأخرى، ومع بعض المسؤولين جعلت كتابة المعاريض فناً يمكن الاستعانة فيه بمحامين ورجال قانون وخبراء بالأنظمة والمداخل الشرعية والنظامية؛ حتى يثبت وضوح ومصداقية الطرح أمام المسؤول، مع العلم أن هناك من غير المتخصصين بالمحاماة والقانون لا يقلّون شأناً عن هؤلاء لديهم من المهارات اللغوية وقوة الحجة ما يجعلهم يتفوقون على بعضهم حتى وإن كان غير متخصص إلاّ أنه يعتمد على نفسه في اكتساب هذه المهارات. ويعد التجار والميسورين ورجال البذل هدفاً من أهم أهداف أصحاب المعاريض، أو المجبولين على التسوّل خفيةً في موسم توزيع الزكوات، وإذا ما استثنينا أشخاصاً أجبرتهم ظروف معينة على خيار طلب العون والمساعدة من الآخرين ولهم عذرهم في ذلك، إلا أن آخرون من "صعاليك الشعر الشعبي" احترفوا "الشحاذة" يأتون وهم يمتطون صهوة الشعر، ويتخذونه سلاحهم ومعروضهم سواءً كان معداً أو مكتوباً ولديهم أساليبهم وأدواتهم اللغوية المعتمدة على المبالغة في المديح والكذب وتزوير الحقائق وتحويل الممدوح إلى كائن خارق للطبيعة البشرية، ومثل هؤلاء الشعراء لا يصرحون من خلال قصائدهم بشحاذتهم، ولكنهم يستخدمون رمزاً يكاد يكون معروفاً للجميع أنه إذا مُدح بذل وأعطى بسخاء حتى صار المديح فيه بمثابة "أعطونا مما أعطاكم الله"!ما نود ذكره أن مثل هذه الخطابات والمعاريض كثيراً ما تستغل بنصوصها المذكورة للإساءة إلى بعض أشخاص معروفين توضع اسماؤهم وأختامهم على مثل هذه الرسائل باستخدام برامج تقنية
"معاريض" طريفة وبين هؤلاء وأولئك تتناقل كتب الطرائف وبعض مواقع التواصل الاجتماعي نماذجمعاريض في غاية الطرافة والغرابة، وعكست حالة الانفعال التي كان يعيشها الكاتب وقت صياغته، حيث كتب بعضها بعفوية تامة ولغة بسيطة دون تكلف، لكنها حملت بأدواتها المتواضعة وانفعالاتها ما يصنفها ضمن أقوى المعاريض تأثيراً. وإذا ما أردنا استعراض نماذج منها -نذكرها من دون تغيير رغم أخطائها الإملائية-، نذكر أولاً معروض مواطن تقدّم إلى مدير إحدى المؤسسات الخدمية فكتب للمدير العام الآتي: "أبعث إليكم بخطابي هذا وفيه أرفع شكواي لكم لعلها تجد آذانا صاغية سعادة المدير العام:
العام فالشتا (في الشتاء) في شهر حدعش قدّمت عليكم طلب فتح كبينة اتصالات أريد اترزّق الله فيها ودارت الاوراق.. ودارت.. ودارت.. وقلتوا لي كمّل الشروط وكمّلتها وارتفعت الاوراق للرياض ورجعت بالموافقة، ويوم راجعت أحد موظفينكم قال لي واحد اسمه علي قال لي: أوراقك مصلّب عليها بالقلم الأحمر.
قلت: من اللي مصلبٍ عليها؟ قال المدير العام وهالحين أنت وش تطلبني؟ أنا مخطي عليك في شيء؟ أو ما استحق اللي يستحقونه المواطنين؟ واللي مثلك الله يطول عمرك يساعد على الخير ويقف في صف المواطنين وأنت تقف في نحورهم مثل شخب ابليس؟
سعادة المدير العام تعوذ من ابليس وفكنا من شرك ولا تحط النشب وانت من الله في سعة
مشّ أوراقي ولاّ ترا الوجه من الوجه أبيض وتراني ابكبر الموضوع وترا ابن سعود فاتحن بابه.
وشكرن".
مدير رئيس الكهرباء!!
ومعروض آخر يبدو أن صاحبه أحد وجهاء قرية أو هجرة، بعد أن قطع مسؤول الكهرباء في القرية التيار البقالة الوحيدة في الهجرة -إن لم تكن بقالته-.. كتب معروضاً اختلط فيه الرجاء بالتهديد والنصيحة والوعيد! بدأه باسم الله ثم تحية الاسلام ثم دخل في الموضوع مباشرة بما يلي نصّه:
"إلى مدير رئيس الكهرباء أخوايك -أخوياك- اعتدوا على راعي البقالة في ديرتنة -ديرتنا- وسكروا الكهرباء والأغراض خربت، من هي عليا هل -من هي عليه- الخسائر؟
نرجو أنهم يفتحون الكهرباء الحين
وليا ثمنه البقالة كله -وإلا سوف نُثمّن البقالة كلها- وحمناه المسعول -وحملناه المسؤول-والدي يولدي -ولدي يا ولدي- لا يورطونك أخوياك وتراه دفع الغرامة 1500 ريال".