الجودُ بالرياسة ، لك مكانة رفيعة ضحيّتَ بها في سبيل الله ... إنسان يكون لهُ منصب رفيع أو مكانة معينة فإذا أرادَ أن يستقيمَ على أمر الله وإذا أراد أن يرضي الله عزّ وجل لابدَّ من التخلّي عن هذا المنصب أو عن هذه المكانة أو عن هذه المنزلة ، .. المكانة التي يحتلّها الإنسان شقيقةُ الروح فلذلك كثيرٌ من الذين كفروا واستكبروا وكابروا وأبَوا أن يؤمنوا أو يُسلِموا حِفاظاً على مكانتهم و حفاظاً على مركزهم و حفاظاً على رياستهم فإذا ضحى الإنسان بمكانتهِ أو برياستهِ أو بمنصِبهِ أو بمنزِلتهِ في سبيل ربه فقد آثر الله على مكانتهِ أمّا هُنا المُشكلة .. المُشكلة : وكما أقول دائماً رُبما تأخذون عليّ أنني أستخدمُ هذه العبارة كثيراً : زوالُ الكونِ أهونُ ، والله هذه العبارة ما رأيت عبارةً تُعبّرُ عمّا في نفسي خيراً منها .. زوال الكون أهون على الله .
على الله عزّ وجل من أن يُضيّعَ مؤمناً آثَرَ رِضاه . آثرتَ رِضاه ويُضيّعُك ، آثرت رِضاه ويُخزيك ، آثرتَ رِضاه ويجعلُكَ في مؤخرة الركب ، آثرتَ رِضاه ويُفقِرُك ، آثرتَ رِضاه ويُشقيك ..... هذا شيء مستحيل في ذات الله عزّ وجل لأنهُ الكريم ، إنه الشكور ، فأكثرُ الناس يقولون : إذا فعلتَ كذا وهو طاعة يُصيبُكَ كذا وكذا ، أ هكذا ..؟.. لأنكَ أطعتَ الله عزّ وجل دفعتَ هذا الثمن الباهظ ، لكن ما الذي يحصُل ..؟.. قد يتراءى لكَ أنكَ إذا أطعتَ الله جاءكَ ضررٌ كبير ، وشقاءٌ طويل لكنكَ لشدةِ حُبِكَ لله عزّ وجل تؤثِرُ ما عِندَ الله من سعادة وتُضحّي ، الذي يحصُل أنَّ الله سبحانه وتعالى يُبدّلُ القوانين من أجلك وهي الكرامة ، فهذا الذي كانَ من الممكنُ أن يثورَ ويغضب لهذا الموقف الذي وقفته ... يعطِفُ ويُقدّرُ ويُبجلُّ هذا الموقف ويعودُ الموقف الخطير موقِفاً مُسعِداً .
.. أحد إخواننا الكِرام له عمل مع شركة أجنبية ودخلهُ كبير جداً منها وهؤلاء الموظفون يحملون في حقائبهم الخمرة إذا اشتروها من بعض المحلات فحينما رأى مركبتهُ يوضعُ فيها الخمر أبى عليه إيمانهُ وأبت عليه مروءتهُ واستقامتهُ وغيرتهُ وحُبهِ لله عزّ وجل فنوى أن يُضحيَّ بكلِّ هذا الراتب الضخم وبكلِّ هذه الوظيفة ذات الدخل المُرتفع ويقول لا أسمحُ أبداً لأحد أن يركب في مركبتي ومعهُ مشروبٌ حرام ، فالمفروض أنَّ هؤلاء يستغنون عنهُ وهناكَ عشراتٌ بل مِئاتٌ يتهافتونَ على أقدامهم ليعملوا معهم براتبٍ ضخم ،و حصل عكس ما متوقّع تمسّكوا بِهِ وبالغوا في تكريمهِ وأغدقوا عليه من العطايا وأَمِنوهُ على بيوتهم وعلى أموالهم ، على عكسِ ما أنتَ متوقّع ، وأقول لكَ هذا الكلام وأعني ما أقول : إذا جاءكَ عرضٌ أو جاءكَ موقفٌ بينَ موقفين إمّا أن تُطيعَ الله عزّ وجل تُضيّع هذا الكسب الكبير هذه الدنيا العريضة هذا المركز المرموق وإمّا أن تقبلهُ على معصية الله ، قول جميل ورائع إذا آثرتَ الآخرة على الدنيا كَسِبتَ الآخرة والدُنيا ، وإذا آثرتَ الدُنيا على الآخرة خَسِرتَ الدنيا والآخرة ...فالجودُ بالرياسة هو ثاني مراتب الجود .