تعلم من الصحراء وتجارب والده.. وبدأ "البزنس" بسيارة واحدة
العماني علي الجنيبي استقال من وظيفته الحكومية ليصبح أحد بارونات النفط
تمكن رجل الأعمال العُماني علي الجنيبي من كسب كافة الرهانات، ونجح في أن يكون واحدًا من أشهر وأهم رجال الأعمال في سلطنة عُمان رغم أن المحيطين به لم يتوقعوا له ذلك، خاصةً عندما أخذ قراره التاريخي بالاستقالة من وظيفته الحكومية التي كان يتمناها الكثيرون لينتقل إلى مغامرات العمل الحر، ويدير الجنيبي اليوم شركة متخصصة في حقول النفط تعمل بأكثر من 20 مليون ريال عماني وبأكثر من 300 موظف، (الدولار يساوي 0.37 ريالات).
علمته التجارب كيف يكون قياديًا ناجحًا منذ صغره، فقد قام بشؤون إخوانه وعائلته في شبابه، حتى التحق بالقطاع الحكومي متوليًا إدارة 40 موظفًا بوزارة الصحة، وما أن بلغ الـ28 عامًا حتى تولى منصب مساعد والي ليقوم بإدارة شؤون أبناء ولاية بهلاء العمانية.
بداياته
لم يشعر الجنيبي بالخوف أو الجزع عندما تركه والده في وسط الصحراء- وهو ابن الـ6 سنوات- ليقوم بشؤون تربية إخوانه، فقد تعلم آنذاك تحمل المسؤولية ومكافحة أعباء الحياة.
ويقول الجنيبي إنه كان معجبًا بوالده الذي يتنقل بين منطقتين تفصلهما أكثر من ألف كيلو متر من أجل التجارة والبحث عن مصدر الرزق، فقد أسس والده أعمالاً تجارية بسيطة متخصصة في صناعة الطابوق، وورشة لتصليح السيارات، وهي الورشة التي كانت تستهويه لقضاء أوقات فراغه لكي يرى العمال وأعمالهم بإشراف والده.
ويضيف رجل الأعمال العُماني متحدثًا لـ"الأسواق.نت" راويًا قصة نجاحه: "خيبتُ ظن المدرسين وتوقعات أصدقائي عندما كانوا ينظرون إلي بأنني ابن البادية، ولن أحقق مستوى جيدًا في التعليم، لكنني كنتُ عند حسن ظن والدي عندما أصبحت من المتميزين في المرحلة الدراسية، وتفوقت في المرحلة الثانوية".
وبنجاحه في الثانوية عام 1986 فكر الجنيبي بالانتساب إلى الشرطة لكي يكون ضابطًا مرشحًا، ولكن القدر سنح له فرصة بأن يكون كاتب شؤون إداري بوزارة الصحة براتب 225 ريالاً، وهي الوظيفة التي مكَّنته من تطوير مهاراته وإمكاناته؛ فتعلم الانجليزية وأتقنها قبل أن ينتقل إلى المستشفى السلطاني بالعاصمة مسقط الذي يعد من أكبر المستشفيات الحكومية كمساعد إداري أول في دائرة الخدمات.
وفي عام 1987 تم ترشيح الجنيبي لوظيفة ضابط إداري بمستشفى هيما بالمنطقة الوسطى، وكان في الثامنة عشرة من عمره، ويدير كادرًا من الأطباء والممرضين يتجاوز عددهم الأربعين.
ويقول رجل الأعمال علي الجنيبي: "عملتُ عشر سنوات بوزارة الصحة، وفي نهاية عام 1997 كانت هناك فرصة بوزارة الداخلية فنقلت خدماتي إلى وزارة الداخلية بدرجتي المالية بمكتب والي بهلاء بمسمى مسؤول إداري لمدة سنتين وسبعة أشهر، استطعت خلالها إثبات وجودي، مما نتج عنه اختياري لأكون مساعد والي في ولاية نزوى عام 2000".
ويشير الجنابي إلى أنه خلال تلك الفترة تولى مهامًا كبيرة، حيث كان يقوم بمهام الوالي في حالة غيابه أو انشغاله، مضيفًا: "مكثتُ في نزوى 7 سنوات بعدها تم نقلي إلى ولاية بدبد، ومكثت فيها سنتين، تقدمت إلى الوزارة بطلب للتقاعد، وبالفعل تمت إحالتي إلى التقاعد شهر يونيو من عام 2008 وبهذا أكون قد أكملتُ 22 سنة عملتها في السلك الحكومي، لأبدأ بعد ذلك رحلتي مع القطاع الخاص وبالتحديد في شركة الغالبي.
قصة شركته
كان الجنيبي مولعًا بالوظيفة الحكومية وينظر لها بأنها سمعة بين الناس وبأنها أقرب إلى أن تكون تطوعًا لخدمة الوطن، رغم أن ابن عمه "خالد الجنيبي" كان يحاول أن يزرع في فكره العمل الحر والتجارة، ويقنعه بمستقبل القطاع الخاص.
أصرَّ خالد أن يشارك علي مناصفةً في تأسيس شركة النقليات التي تمثلت في شراء شاحنة بعشرين ألف ريال عماني وتشغيلها في شركات النفط، ورغم أن الفكرة كانت ناجحة ولكن لم يكن علي يعطِها اهتمامًا بحكم انشغاله بوظيفته الحكومية.
ويقول علي الجنيبي: "بدأنا العمل الخاص عندما أصرَّ ابن عمي خالد الدخول في شراكة بشاحنة نقليات، وبحكم بُعد عملي كنت غير متفرغ لهذا العمل، وكنت شريكًا عن بُعد، حيث كان خالد هو الذي يدير الأعمال وأنا أطَّلع على مجريات العمل في فترة العطلات، وكنت أسانده بحكم معرفتي باللغة الإنجليزية وخبرتي الإدارية، وأصبحت عاملاً مساعدًا له، وبدأنا العمل بسيارةٍ واحدة كانت تدر ربحًا جيدًا.
اغتنام الفرص
في العام 1998 أطلقت شركة تنمية نفط عُمان مبادرةً تمثلت في إعطاء الأولوية لأبناء الوطن المحلي سكان قرى الامتياز القريبة من حقول النفط بإنشاء شركات، وإعطائهم عقود عمل لتأتي هذه البادرة، وكان علي وابن عمه خالد من أول الناس الذين بادروا بأخذ عقود عمل، ورغم ذلك لم تكن لعلي فكرة التجارة والقطاع الخاص واضحة ومشجعة.
ويقول علي الجنيبي: "عندما سمعنا عن المبادرة أصرَّ ابن عمي أن يكون لنا جزء منها، رغم أننا كنا قد بدأنا في النقليات إلا أننا أردنا أن نتخصص في مجال تصعب المنافسة فيه؛ فأنشأنا شركة الغالبي للتجارة والخدمات التي تخصصت في صيانة أنابيب النفط، وأخذنا أول عقد عملٍ بقيمة 7000 ريال عماني، وبدأنا عملنا في تقطيع الأنابيب على البارد، ثم تطورنا إلى لحام الأنابيب، ثم تطورنا إلى كل ما يتعلق بحقول النفط، وسار العمل على هذه الوتيرة لمدة ثماني سنوات، ثم تأهلنا حتى أصبحنا من الشركات القادرة على المنافسة في صيانة أنابيب النفط بالسلطنة، وحصلنا على شهادة الجودة ورسائل الشكر والتقدير من وزارة النفط والغاز، ومن شركة تنمية نفط عمان".
استشراف المستقبل
عندما رأى علي الجنيبي بأن الجمل جاءه بما حمل نظر إلى الواقع واستشرف المستقبل، ففكر بعقل التجار، وابتعد عن فكرة الجاه والمنصب، وعزز إيمانه بأن خدمة الوطن تكون في القطاع العام والخاص، فتقدم بطلب تقاعدٍ من منصبه الحكومي حتى يتفرغ لإدارة أعماله الخاصة، وتطوير خدمات شركاته.
ويقول الجنيبي: "في أواخر عام 2005 بدأ المشروع في التوسع والنمو، فتولدت الفكرة بأن يكون لكل واحد منا مشروع، فتمت المفاضلة بين المشروعين، فأخذ ابن عمي مشروع تعبئة الغاز في هيما، وأخذتُ أنا شركة الغالبي، واليوم أنا أدير الشركة باستقلالية، ودخلت في العديد من المنافسات الكبيرة، فكانت أول منافسة فوز الشركة بمشروع العقد الكبير الذي تبلغ قيمته 14 مليون ريال عماني قابل للزيادة، وهو صيانة خطوط أنابيب النفط شمال وجنوب عمان بمسافة 8000 كيلو متر لمدة 5 سنوات".
ولاحقاً حصلت شركة الغالبي على عقدٍ من شركة اوكسيدانتال لصيانة حقول النفط لمدة 3 سنوات في منطقة مخيزنة بقيمة 4 مليون ريال، كما حصلنا على عقدٍ ثالث من شركة العمانية للمصافي والبتر وكيماويات لصيانة خطوط النفط إلى صحار بقيمة 2 مليون، وحاليًا تعمل الشركة بما يزيد عن عشرين مليون ريال عماني، كما يزيد عدد الموظفين في الوقت الحالي عن 300 موظف، 60% منهم مواطنون عُمانيون.