أين ذهب تريليونان و500 بليون؟
الأربعاء 5 ديسمبر 2012 تقول الأرقام المعلنة، التي أصدرتها وزارة المالية خلال الأعوام الماضية، عن حجم موازنات المملكة، بدءاً من العام 2007 وحتى العام 2012، أي خمس موازنات بالتمام والكمال، إن حجم المصروفات التي خصصتها الدولة لمصلحة مشاريع التنمية وصلت إلى أكثر من تريليونين و500 بليون ريال.
إنه رقم مهول جداً، وربما لا يستطيع العقل البشري تصور نتائجه الإيجابية المفترضة على حياة الإنسان.
أرجو أن تتخيلوا معي كيف كان من الممكن أن تحيل تلك الموازنات بلدنا إلى ما يفوق (إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد)، فلو نثرت تلك الأموال نثراً فوق جبال وسهول وسواحل المملكة لغطتها بالكامل، فكيف لا تغطيها تنميةً وجمالاً واكتفاءً.
هذه الأرقام التي عجزت «الحاسبة» عن جمعها وطرحها، تمثل أموالاً ساخنة تذيب الجبال وتحيل الصحاري إلى مياه عذبة مثلجة، لو أردنا، ولو وفقنا في استخدامها.للحقيقة فإن السعودية اليوم هي ورشة عمل كاملة، فما الذي حصل أمام كل هذا الضخ المالي غير المسبوق؟ للإجابة عن هذا التساؤل المشروع، نحن في حاجة للتوقف قليلاً ومراجعة أنفسنا: هل نحن محقون في صرف هذه الموازنات الإعجازية.
ليس بالأموال وحدها تنمو الدول لا بكثرتها ولا بقلتها، بالتأكيد هي أحد المحركات المهمة، ولكنها ليست أهمها أبداً، ومخطئ من يظن أن كثرة الأموال قادرة على خلق تنمية، أو التحول نحو عالم أول أو ثانٍ أو حتى ثالث.
لا شك أن الأمر شيء من الأموال، وكثير من العقول والسواعد المنتجة، ذلك هو الشيء الوحيد الذي يضمن مستقبلاً تنموياً فعالاً، يجب التفكير والتخطيط له قبل أن نضع مسماراً واحداً. في المقابل يُطرح سؤال أكثر أهمية... هل ما ينفذ من مشاريع اليوم في شوارع وحارات المدن السعودية يساوي حجم تلك الموازنات الضخمة، التي نرى أن دولاً أخرى تعيش كل أيامها ولياليها بأعشار أعشارها، وتبدو شوارعها وحدائقها وبنيتها التحتية أكثر جمالاً وتألقاً ودواماً. مقارنة بما حصل في تنمية الثمانينات الميلادية على سبيل المثال، أرى أن تلك التنمية سلمت لشركات وخبرات عالمية لقناعتنا وقتها أن شركاتنا الوطنية لم تصل إلى درجة الكفاءة لتنفيذ أحلامنا وطموحاتنا المشروعة، وهو ما جعلها تنمية ممتازة، بل كنا الدولة الأولى في المنطقة، أما اليوم فقد سلمت الوزارات كثيراً من مشاريع التنمية الملحة لشركات وطنية ومؤسسات بائسة، لا تصل لحجم الطموحات، وليس لديها من مقياس الكفاءة حتى الحد الأدنى من القبول.
كما أن من يخطط اليوم للمشاريع المقدمة عبر البلديات أو الإدارات الفرعية في مدن وقرى وهجر المملكة، ليسوا في الكفاءة ولا القدرة التي نطمح إليها، وهم غير قادرين على تخطيط وتقديم تصور مخطط عام «ماستر بلان» لمدينتهم على مدى العشرة أو الـ20 عاماً المقبلة، يحمل أحلام وأفكار وتاريخ سكانها.
إذاً نحن لدينا أموال هائلة صُرفت بسخاء، ولدينا مخططون سيئون ومنفذون أسوأ، وهو ما انعكس اليوم على مدننا السعودية قاطبة.
أيها السادة: إذا كانت تلك الأموال صُرفت بالفعل، ولدى «وزارة المالية» ما يؤكد صرفها، وإذا كانت النتائج المتحققة هي ما نراه اليوم، فإن المعادلة التي يجب أن نحتكم إليها تقول: «إذا كنت لم تلمس تحسناً في حياتك وتعليمك وصحتك ووظيفتك»، فإن ما صُرف لا يساوي ولا يوازي ما هو موجود على أرض الواقع.
المصدر: http://alhayat.com/OpinionsDetails/459094