انت داخل سوق ربح وخسارة المضارب مثلك يبي يربح ليس ملزم بربحك
هذا تعدي بالدعاء
أيها المؤمنون ، يقول الله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) . لقد نهى الله سبحانه وتعالى عن التعدي في الدعاء .
فعليك يا عبد الله التحري في إصابة الدعاء المشروع ، والتحرز من الوقوع في الممنوع ، أو التعدي فيه .
يا عبد الله إن هناك صورا ً وألوانا ً وهيئات ٍ للتعدي في الدعاء أو الإتيان بالأدعية المحرمة والمكروهة .
فمن أعظم وأبشع هذه الأنواع ، صرف الدعاء لغير الله ، أو دعاءُ غيره معه . يقول الله تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)
عباد الله ، ومن صور الاعتداء المحرم أن يثني العبد على الله بشيء لم يثن الله به على نفسه ولا أذن فيه . مثل قول بعضهم : يا سبحان ويا برهان وياغفران . وأيضا ً مثل قولهم : بارب طه ويس .
ومن الاعتداء في الدعاء تصغير أسماء الله تعالى ، أو دعاء صفات الله تعالى ، فلا يجوز أن يقال : يارحمة الله .
عباد الله ، ومن الاعتداء في الدعاءِ الدعاء ُ بالمحال أو ما لا مطمع فيه ، مثل أن يسأل الخلود في الدنيا ، أو أن يطلعه على الغيب أو غير ذلك.
ومن صور التعدي في الدعاء ، الدعاء بلفظ اللعن أو النار ، مثل قول بعض الناس لبعض : لعنه الله ، أو عليه غضب الله ، أو أدخله الله جهنم . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ، ولا بالنار ) رواه أبو داود والترمذي .
ومن صور التعدي المحرم في الدعاء ِ الدعاء ُ على غيره ظلما ً أو الدعاء في شيء محرم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) . أخرجه مسلم
أيها المؤمنون ، وهناك صور من الأدعية يقع فيها بعض الناس وهي مكروهة وهو لا يدري ، فمنها تعليق الدعاء بالمشيئة ، كقول الداعي : اللهم ارزقني إن شئت ، اللهم وفقني لكذا إن رضيت . يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا دعاء أحدكم فليعزم المسألة ، ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني ، فإنه لا مستكره له ) والواقع الذي نراه دائما ًَ يقع قول بعض الناس مثلا : يا رب أنك تصلحه إن شاء الله ، ويا الله إنك توفقه إن شاء الله . فليعزم العبد في مسألته فإنه لا مستكره لله جل جلاله .
عباد الله ، ومن التعدي في الدعاء ِ الدعاء ُ بتعجيل العقوبة على النفس أو الولد ظلما ً . وهذا مثل الرجل الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : ( هل كنت تدعو الله بشيء ؟ قال : كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، قال : سبحان الله إنك لا تستطيعه ، أو لا تطيقه ، هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، قال : فدعا الله له فشفاه ) رواه مسلم .
ومن المكروه في الدعاء السجع في اللفظ وتكلف صنعة الكلام ، فهو يذهب الخشوع والإخلاص و يلهي عن الضراعة ويشغل الخاطر بإزدواج الألفاظ وإقامة الأوزان ، روى البخاري ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ( وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فاجتنبه ، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب)
ومن الاعتداء في الدعاء أيضا ، أن يقتصر في دعائه على طلب الدنيا فقط ، وقد عاب الله سبحانه وتعالى من اقتصر على طلبه الدنيا ، قال سبحانه (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) .
ومن التعدي في الدعاء تحجر الدعاء ، وقد ورد النهي عن ذلك ، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : قام النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه ، فقال أعرابي وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا ، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي : لقد حجرت واسعا – يريد رحمة الله ـ ) أخرجه البخاري .
عباد الله ، ومن هيئات التعدي في الدعاء رفع الصوت به والمبالغة في ذلك ، يقول الله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) ويقول الله تعالى : (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) قالت عائشة رضي الله عنها : ( أنزل هذا في الدعاء )
ومن التعدي هجر الدعاء في حال الرخاء فإن هذا حال الكفار الذين ذمهم الله في القرآن ، كقوله تعالى : (نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ )
عباد الله ، ومن هيئات التعدي في الدعاء ِ الدعاء ُ في الحمامات ومواضع النجاسات والقاذورات ، ويستدل لهذا المعنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق .
ومن بالغ التعدي في الهيئات الدعاء عن القبور أو عند بعض البقاع التي يعتقد فيها القداسة وليست كذلك ، أو تخصيص أيام معينة لم يأت فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتخصيص آخر أربعاء من شهر صفر بدعاء معين ، أو تخصيص شهر رجب أو شعبان بأدعية مخترعة مبتدعة ، وهذا من أقبح التعدي في الدعاء ؛ لأنه تعدي على شرع الله وابتداع في الدين واستدراك على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .