سألتُ طلبتي الدارسين لمادة علم الفلك هذا السؤال مرةً: هل يمكن أن يكون الليل على الأرض سرمداً (بمعنى أبدياً دائماً) ويكون النهار سرمداً؟ فأجاب أحدهم: نعم إن ذلك ممكن. فقلت: كيف؟ قال: لو سكنت الأرض عن الدوران حول نفسها لأصبح الليل سرمداً والنهار سرمداً. قلت: لا .. هذه الاجابة خاطئة، ولو تفكرت قليلاً لوجدت أن الأمر لا يكون بمثل هذه الفرضية. ثم قال طالب آخر: يتوقف دوران الأرض حول نفسها، وعن الدوران حول الشمس أيضاً، وبذلك يكون أحد نصفيها مقابلاً للشمس دائماً ونصفها الآخر مخالفاً. قلت: لكن السكون في مثل هذه الحال غير ممكن قطعاً ويقتضي تغييراً جوهرياً في سنة الكون كله، فالجاذبية القائمة بين الأرض والشمس تمنع من حصول مثل هذا السكون الذي تفترضه أيها الطالب. وهنا قلت لطلبتي: ما نظرت في كتاب الله وقرأت آية من التي أوردها الحق سبحانه في تحدٍ أو لعبرة إلا وجدتها قابلة للتحقيق الفعلي دون الاخلال بسنة الكون ونواميسه فيما استقرت عليه العادة. وهذا مثال على ذلك. فماذا يحصل لو أن مدة دوران الأرض حول محورها كانت مساوية لمدة دورانها حول الشمس، أي لو أنها كلما دارت حول نفسها ربع دورة مثلاً دارت حول الشمس ربع دورة أيضاً؟ الجواب: هو أن أحد نصفي كرة الأرض سيكون مواجهاً للشمس دائماً وبالتالي سيكون نهارا دائماً وأبدًا، فيما يكون نصفها الآخر المعاكس لإتجاه الشمس ليلاً دائماً وأبداً. لذلك قال تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ )
فهذا الذي قاله الله تعالى وتحدى به الناس وارد دون إخلال بسنته في الخلق. إذ لا يتوجب إيقاف الأرض عن الدوران حول نفسها لكي تتحقق سرمدية الليل في نصف الكرة الأرضية، وسرمدية النهار في نصفها الآخر. بل يكفي أن يجعل الله مدة دوران الأرض حول نفسها مساوية لمدة دورانها حول الشمس، دون أن يخل ذلك بقوانين الفيزياء والفلك. وعندئذ يكون الليل سرمداً، ويكون النهار سرمداً. ولكن بذلك أيضاً تستحيل الحياة العملية تماماً. لذلك قال تعالى: ( وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
ثم أنظر كيف أن الله سبحانه وتعالى كرر السرمدية فلم يجعلها لليل فقط أو للنهار فقط بل لكليهما، لأنه تعالى جل شأنه يعلم أن الوقت الذي يكون فيه نصف الكرة الأرضية يغمره الليل فإن نصفها الثاني سيكون نهاراً. وأنظر أيضاً كيف سبّق ذكر الليل على ذكر النهار في الترتيب، وذلك لأن الله يعلم أن الليل هو الأعم وأن النهار طاريء كما أوضحنا قبل.
وكمثال واقعي على تساوي مدد الدوران في الأفلاك حالة القمر، إذ إن مدة دورانه حول محوره مساوية لمدة دورانه حول الأرض. لذلك يكون نصفه مواجها دائما للأرض، ونصفه الآخر غائبا عنها. فلا نرى من الأرض إلا نصفه الذي يواجهنا. وهذا هو السبب في أن الناظر إلى البدر يراه كما هو على حاله الذي كان عليه في الشهر السابق دون تغيير. وهذا الشكل الذي عليه وجه البدر سببه التضاريس القمرية.
تلوت هذه الآية أثناء شرحي للحركات الظاهرية للشمس. فسألني أحد طلبتي كيف يمكن أن يكون الظل ساكناً دون أن يخل ذلك بسنن الكون؟ فقلت له: يوم يكون النهار سرمداً يكون الظل ساكناً. فلو حصلت الحالة التي ذكرناها من تساوي مدة دوران الأرض حول نفسها ومدة دورانها حول الشمس لكان ظل الأشياء ساكنا في موضعه لا يبرحه بحكم ثبات الشمس في السماء بالنسبة للجزء المقابل لها من الأرض.