16/1/1434هـ بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع: شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله..............
أيها المسلمون: إن خير ما عُني به المسلمون وتحدَّث عنه المصلحون: العقيدةُ الإيمانية والسنة المحمدية والسيرة النبوية، فهي للأجيال خيرُ مربٍّ ومؤدِّب، وللأمة أفضل معلم ومهذِّب، وليس هناك أمتعُ للمرء من التحدث عمن يُحبّ، فكيف والمحبوب هو حبيب رب العالمين وسيد الأولين والآخرين، وليس هناك أحدٌ من البشر نال من الحب والتقدير ما ناله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فباسمه تلهج ملايين الألسنة، ولذكره تهتزّ قلوب الملايين، ولكن العبرة أن يتحول هذا الحب إلى محض إتباع دقيق لكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران ولم تكن حاجةُ الأمة في عصرٍ ما إلى الاقتباس من مشكاة النبوة والسنة المباركة ومعرفة السيرة العطرة معرفة اهتداء واقتداء أشدَّ إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمةَ أمواجُ المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلب فيه الأهواء، واستحكمت الزعوم والآراء، وواجهت فيه الأمة ألواناً من التصدي السافر والتحدي الماكر والتآمر الجائر من قبل أعداء الإسلام الذين رموه عن قوس واحدة،
عباد الله: إن خير ما تحدث به المتحدثون هو الحديث عن الشمائل النبوية والسجايا المحمدية والآداب المصطفوية، فهي معينٌ ثرٌّ، وينبوع صافٍ متدفق، يرتوي منه كلُّ من أراد السلامة من لوثات الوثنية والنجاة من أكدار الجاهلية، فلئن فات رؤيتُه صلى الله عليه وسلم بألا بصار، فإن في تأمُّلِ شمائله لعزاء وسلوان، نحن بحاجة إلى تجديد المسار على ضوء السنة المطهرة، وتصحيح المواقف على ضوء السيرة العطرة، والوقوف طويلا للمحاسبة والمراجعة. نريد من مطالعة السنة والسيرة ما يزيد الإيمان، ويزكي السريرة، ويعلو بالأخلاق ويقوِّم المسيرة.
إن من المؤسف حقاً أن بعض أهل الإسلام لم يقدروا رسولهم حقَّ قدره حتى وهم يتوجهون إليه بالحب والتعظيم، ذلك أنه حبٌّ سلبي لا صدى له في واقع الحياة، ولا أثر له في السلوك والامتثال.
تأملوا هديه وشمائله عليه الصلاة والسلام في جوانب الدين والدنيا، ففي مجال توحيده لربه صدَع بالتوحيد ودعا إليه وتحمل الأذى في سبيله، فأول واجب على محبيه عليه الصلاة والسلام أن يُعنَوا بأمر الدعوة إلى توحيد الله التي قامت عليها رسالته عليه الصلاة والسلام، ومحاذرة كل ما يخدش صحيح المعتقد وصفو المتابعة، من ضروب الشركيات والبدع والمحدثات.
في مجال عبوديته لربه قام صلى الله عليه وسلم من الليل حتى تفطرت قدماه، فيقال له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول صلى الله عليه وسلم: (أفلا أكون عبداً شكوراً؟!) خرجه الشيخان .
وفي مجال الأخلاق تجده صلى الله عليه وسلم مثال الكمال في رقة القلب، وسماحة اليد، وكفِّ الأذى، وبذل الندى، وعفة النفس، واستقامة السيرة، كان عليه الصلاة والسلام دائم البشر، سهل الطبع، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، وأعظم من ذلك وأبلغ ثناءُ ربه عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم [القلم:4]،
وفي معاملاته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأهل بيته وزوجاته، يقول صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) خرجه أحمد
إن الأمة بأمس الحاجة إلى التمسك الصحيح بدينها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم ، في محبة وتآلف واعتصام، وفي سماحة ويسر ووئام، وبذلك تتحقق وحدة الصف وجمع الشمل وتوحيد الكلمة على منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة رحمهم الله، فلن يصلح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وبذلك تنكشف الغمة عن هذه الأمة، وما ذلك على الله بعزيز،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أبان الطريق وأوضح المحجة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، كساه من حُلل النبوة ما زاده مهابةً وبهجة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين فدوه بكل ما لديهم من نفسٍ ومهجة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وروّوا قلوبكم وأرواحكم من شمائل نبيكم عليه الصلاة والسلام ، وتأمَّلوا خصاله العظيمة وشمائله الكريمة، واربطوا أنفسكم وناشئتكم وأسَرَكم بها رباطاً محكماً وثيقاً يسمو عن التخصيص في أوقات، والتعيين في مناسبات، فليس هذا من منهج السلف الثقات، واعلموا أن هذه الشمائل المصطفوية والسجايا النبوية ينبغي أن يكون لها تأثير عملي في إصلاح المنهج، وأثرٌ تطبيقي في إحكام المسيرة والبناء، في عصرٍ كثرت فيه المتغيرات، وتسارعت فيه المستجدات عبر كثيرٍ من القنوات والشبكات، فالسنة خير عاصم من شرور هذه القواصم. فأروا الله ـ أيها المسلمون ـ من أنفسكم خيراً، سيروا بخطى متوازنة يتوّجها العلم الشرعي، وتمسكوا بسنة نبيكم تفلحوا،
وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على الحبيب المصطفى والرسول المجتبى صاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود.صلوا عليه صلاةَ متَّبعٍ له محبٍّ له مقتفٍ آثارَه متمسِّك بسنته، فلا إطراء ولا جفاء، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريماً في محكم التنزيل وأصدق القيل إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً )