قال إن القضاء على البطالة وأزمة الإسكان يأتيان بعد فتح الخزانة واتخاذ القرارات
الخبير الاقتصادي ابن ربيعان لـ"سبق": على "مكافحة الفساد" الإطاحة بعروش
الفساد
- مشروعات خادم الحرمين خلال السنوات الماضية ستؤتي أكلها بعد حين
- من الخطأ تأجيل نظام الرهن العقاري من أجل مراعاة خواطر "اللوبيات"
و"المتنفذين"
- أبرز تحدياتنا المستقبلية.. تنويع مصادر الدخل وجودة التعليم والتخطيط المسبق
- ما أعظمها من مكافأة حين تقول للفاسد "الله يحاسبك" ثم تتركه في فساده!
- أموال الطفرة الحالية ذهبت لعلاج أزمات اقتصادية قديمة
- ربط الريال بالدولار الأمريكي جعل الغلاء يطول كل شيء في أسواقنا
- لا نزال ندفع حالياً ثمن أخطاء التأخير والتسويف والتأجيل التنموي
- الأمطار دائماً تكشف "عورة" مشاريعنا الحكومية
- الاستثمار الأجنبي لم يفدنا.. فلا تقنية ولا عمالة ماهرة ولا سلع ذات قيمة مضافة
- الدعم الحكومي الحالي للسلع لا يستفيد منه إلا الأغنياء فقط
- شركة "سمة" شوَّهت سوق الائتمان وخلقت لنا "ملصقات" الصرافات
- ما لم تخرج صناديق الحكومة من سوق الأسهم فلن "ينصلح" حاله أبداً
حوار: شقران الرشيدي، عدسة: عبدالله النحيط- سبق- الرياض: قال الخبير
الاقتصادي والمستشار الدكتور عبدالله بن خالد بن ربيعان إن علاج مشاكل الإسكان
والبطالة والفقر يكمن في تعامل الدولة معها كما عاملت الإرهاب سابقاً، بمعنى أن
تفتح الخزانة، وتتخذ القرارات.
وأكد في حواره مع "سبق" خطأ تأجيل تطبيق الرهن العقاري من أجل مراعاة خواطر
"المتنفذين" دون اهتمام بتطلعات المواطنين، مشيراً إلى أهمية تشكيل فريق
اقتصادي يدرس إعادة تقييم الريال مقابل الدولار، ويرفع توصياته لمقام خادم
الحرمين الشريفين للبت في هذا الموضوع المهم.
وتناول الحوار مع ابن ربيعان عدداً من المحاور الاقتصادية والتنموية المهمة
كالاستثمار الأجنبي، وكارثة سوق الأسهم، وتعثر المشاريع الحكومية، وارتفاع
الأسعار، وأهمية الدعم الحكومي للسلع، والتأمين، وفتح بنوك تجارية جديدة لدعم
الاقتصاد السعودي.. فإلى تفاصيله:
* تم مؤخراً تأجيل تطبيق اللوائح التنفيذية لأنظمة التمويل والرهن العقاري للعام
القادم 2013م، ما الانعكاسات السلبية لهذا التأجيل في رأيك؟
- الرهن العقاري كان توقيته سيئاً للسوق العقارية؛ فالسوق كانت في حالة ركود، وتتجه للانخفاض، وطالبتُ في مقالاتي الحكومة بخلق الفقاعة في السوق قبل إقرار الرهن، وهو ما لم يحصل للأسف. عموماً الرهن لن يحل مشكلة الإسكان في السعودية. ولعلاج مشاكل الإسكان والبطالة والفقر يجب أن تعاملها الحكومة كما عاملت مشكلة الإرهاب من قبل، بمعنى أن تفتح الخزانة، وتتخذ القرارات، ويتم التنفيذ بدقة وسرعة ومتابعة يوماً بيوم. وما لم تُعامَل هذه المشكلات كمشكلات وطنية لها أبعاد خطيرة أمنياً وسياسياً واجتماعياً، وتوجَّه لها كل الجهود على مختلف المستويات، فلن تُحلّ أبداً.
أما عن سؤالك عن تأجيل الرهن فهو على كل حال تسويف، اعتدنا عليه من جهاتنا المسؤولة عن الاقتصاد في البلد، وكل تسويف وتأجيل، ومراعاة خواطر بعض اللوبيات والمتنفذين سندفع ثمنه مجدداً خلال الأعوام المقبلة؛ فلا تنسَ أننا ندفع حالياً ثمن أخطاء وتأخير وتسويف لمشكلات قديمة لم تُحلّ، وأهمها الفقر، والسكن، والبطالة.. ولو حلت هذه المشكلات في حينها لكنا قد استفدنا من الطفرة الحالية بشكل أفضل.
* حسناً.. وهل تتوقع أن يشهد سوق التمويل العقاري في السعودية طفرة قادمة، ولاسيما بعد أن قام عددٌ من المستثمرين العقاريين الكبار بتأسيس شركات تمويلية؟
- عند الأسعار الحالية لا يمكن أن نتحدث عن طفرة في السوق العقارية؛ فالطلب الفعلي قليل لارتفاع الأسعار، وغالبية الصفقات هي تدوير السيولة بين "هوامير" العقار. وحينما يبدأ تطبيق الرهن العقاري "متى قسم الله ذلك" فلن تتغير الأمور كثيراً؛ البنوك التجارية هي ما سيسيطر على السوق، ولن تنخفض الفائدة عن مستواها حالياً "بين 1 و2 %"، والرهن ليس إلا قوانين مكتوبة، لن تفيد كثيراً في حال كون أسعار العقار حالياً خارج نطاق المعقول، وفوق قدرة المواطن صاحب الدخل الجيد، فما بالك بالدخول الصغيرة.
* وماذا عن الحديث المتزايد حول أهمية فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي بما سيحقق عدداً من المنافع الاقتصادية للمملكة، هل ترى أهمية مثل هذا الطرح؟
- الدولار انخفض بين 20 و40 % مقابل الين، واليورو، والدولار الكندي، والدولار الأسترالي، والدولار النيوزيلندي، والفرانك السويسري، والكرونا السويدية، والكرون النرويجي، وكل عملات العالم الصعبة والمهمة التي نستورد منها. وأنا طالبت بتشكيل فريق اقتصادي يدرس أبعاد الموضوع وتأثيراته على اقتصادنا، ويرفع توصياته لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وما لم يتدخل الملك فلن يُنجز شيء.
وأنا لم أطالب بفك الريال عن الدولار؛ فالأوضاع العالمية حالياً مضطربة، ولا يمكن الركون إلى عملة واحدة، وكل ما طالبت به هو إعادة تقييم الريال مقابل الدولار؛ فوحدات الريال صغيرة، وهو ما يجعله يسوء بشكل أكبر وأوضح من الدولار؛ فيجب على الأقل رفع قيمته قليلاً أمام الدولار. ولكن يبدو أن المسؤولين عن السياسات النقدية والمالية في البلد لا يحبذون مناقشة الموضوع لسبب أتمنى أن أعرفه.
* وهل وضع الدولار الحالي المتراجع أمام العملات الأخرى أضعف العملة السعودية ورفع كلفة الواردات؟
- نعم، الريال يتلاشى ويضعف تبعاً للدولار؛ وهو ما يجعل الغلاء يطول كل شيء تقريباً في سوقنا. فإن كان ارتفاع أسعار الغذاء مبرراً أحياناً لارتفاعه في السوق العالمية فلماذا ترتفع أسعار المنتجات والسلع الأخرى؟ الإجابة الواضحة أن العملة بدأت تضعف، وريال اليوم قيمته الشرائية تعادل نصف الريال الذي نعرفه قبل عشر سنوات. وأعطيك مثالاً واضحاً: الدولار اليوم لا يساوي سوى 79 يناً يابانياً، وهو الذي كان يساوي 125 في أواخر 2002م، وهذا يعني أنك تدفع ما يصل إلى 46 يناً مع كل دولار تدفعه لشراء السلعة اليابانية اليوم، وما يعني أيضاً أن ثلث قيمة السلعة اليابانية ندفعه فقط؛ لأن الدولار انخفض. وقس على ذلك بقية الواردات من الدول الأخرى التي نضطر فيها لدفع عملة غير الدولار.
* منذ كارثة سوق الأسهم التي حدثت قبل سنوات عدة والتحليلات الاقتصادية لا تهدأ لتحديد أسباب هذه الكارثة. من وجهة نظرك المتخصصة ما الأسباب الحقيقية التي هوت بسوق الأسهم السعودي؟
- قمت ببحث علمي حول الأسباب التي أدت لانهيار سوق الأسهم الشهير في
2006م. وأهم الأسباب العلمية في رأيي أن سوقنا ليس لها عمق بسبب كبر حجم
ملكية الحكومة وصناديقها للأسهم؛ فالأسهم الحرة لا تتجاوز 45 في المائة من
إجمالي الأسهم، وهو ما معناه أن السوق يعمل بأقل من نصف طاقته، وهو ما نفخ
الأسعار، وأعطى الأفراد قدرة كبيرة على توجيه السوق، وأدى بعد ذلك للانهيار.
وللأسف أن وضع السوق اليوم، وبعد أكثر من ست سنوات، لم يتغير؛ فلا الحكومة
تخلت عن حصتها من الأسهم لصالح المتداولين، ولا الشركات الكبيرة طرحت للاكتتاب، وكل ما تمت إضافته هو شركات صغيرة وبائسة. ولو نظرت إلى قطاع التأمين مثلاً لوجدت أن غالبية شركاته خاسرة، ولا تنسَ أن بعض الشركات جلبت للسوق مشاكل إضافية، ولم تحل مشكلته الهيكلية التي ذكرناها، وما لم تخرج الصناديق الحكومية من السوق فلن ينصلح حاله أبداً. والحقيقة أنني مندهش من مزاحمة الصناديق الحكومية السيادية والاستثمارية للمواطنين في سوق الأسهم، وترك الفرص الثمينة التي لاحت خلال الأزمة العالمية الأخيرة، والتي استغلها أشقاؤنا في صناديق أبو ظبي ودبي وقطر أفضل استغلال.
* ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في السوق السعودية في الآونة الأخيرة هل هو جشع تجار أم حركة طبيعية تجتاح الأسواق العالمية؟
- طبيعة الأسعار هي الارتفاع، وما ارتفع يصعب أن يعود للانخفاض مرة أخرى؛ فلا منافسة كاملة. ولكن الارتفاع عادة يكون في حدود التضخم المقبول أو الطبيعي، إلا ما كان نتيجة أزمة عالمية معروفة. ولكن قدرنا أن نعاني مشكلات ثلاث اجتمعن سوياً؛ فنحن أولاً نستورد كل شيء، وهو ما يجعلنا نستورد التضخم مع كل سلعة نستوردها. وثانياً: ندفع ثمن انخفاض الدولار المرتبطة به عملتنا، وهي تكلفة لم تعد يسيرة لتحملها. وثالثاً: تنعدم لدينا الرقابة والعقوبة والمحاسبة للتجار الجشعين في سوقنا على المستويين الرسمي والشعبي؛ فالجهات المسؤولة لا تقوم بعملها كما ينبغي، والإعلام ما زال يشير باستحياء إلى الغش أو التلاعب أو الاحتيال دون أن يجرؤ على ذكر اسم الشركة أو التاجر. وإن كان موقع "تويتر" يقوم بدوره فيما يتعلق بذكر اسم الشركة أو التاجر السيئ إلا أن ذكر الاسم في الإعلام المحلي أصبح واجباً على الصحف ووسائل الإعلام الأخرى.
* إلى أي مدى يمكن تحويل الدعم الحكومي للسلع إلى دعم مباشر لجيب المستهلك بدلاً مما هو حاصل حالياً، الذي يستفيد منه التاجر فقط؟
- هناك خلاف كبير في أيهما أفضل، دعم المستهلك أم المنتج والتاجر؛ فلكل طريقة مزايا وعيوب ذكرتها في مقالة لي بعنوان "الدعم الحكومي.. للسلعة أم للمستهلك؟"، وخلاصته أن دعم المستهلك أقل كلفة على موازنة الحكومة؛ لأنه سيوجَّه إلى الشريحة التي تستحق الدعم فقط، ولكنها - أي هذه الطريقة من الدعم - تحتاج إلى إدارة كفؤة وجيدة، وهو ما أشك في وجوده؛ لذلك أفضل أن تبقى الطريقة الحالية، وهي توجيه الدعم بحسب السلعة. ورغم أنها طريقة غير عادلة اجتماعياً؛ لأن من يستفيد منها أكثر هم الأغنياء نظراً لكبر حجم استهلاكهم، إلا أنها أفضل؛ فأنا أفضل أن يستفيد مائة غني ولا يجوع فقير واحد، فيما لو وُجِّه الدعم مباشرة للمستهلك، ولم يصل إلى من يستحقه فعلاً نظراً لغياب الإدارة الكفؤة كما ذكرت.
* تعتمد بعض فئات المجتمع على شراء البضائع الصينية الرخيصة من محال "أبو ريالين" وغيرها. هل هناك محاذير اقتصادية من مثل هذا التوجُّه؟
- أولاً: كون البضاعة صينية فهذا لا يعيبها؛ فالسلع الصينية تسيطر على أسواق أمريكا وأوروبا كلها؛ ولهذا تطالب أمريكا الصين في كل لقاء رسمي بينهما برفع بكين قيمة عملتها مقابل الدولار؛ لتقليل سيطرة السلع الصينية على سوق أمريكا. أما من ناحية المعايير فأي بضاعة تدخل للسعودية يجب أن تكون مطابقة للمعايير والاشتراطات التي تطلبها هيئة المواصفات والمقاييس. هذا الكلام النظري الذي نعرفه ويقال لنا، ولكن على أرض الواقع للأسف يدخل إلى سوقنا بضائع سيئة وخطرة؛ لأن الرقابة والمحاسبة عندنا غير جيدة، ولا يوجد محاذير اقتصادية؛ لأننا لا ننتج شيئاً لنقول إن السلع الصينية الرخيصة تنافس إنتاجنا، وتقلل الطلب عليه، ولكن هناك محاذير صحية وخطورة على الحياة في حال شراء سلع رديئة الجودة؛ ولهذا أتمنى أن يعي الناس، وأن لا يشتروا السلع الرديئة، وخصوصاً المواد الكهربائية وقطع السيارات وغيرهما؛ لأنها قد تكلفهم حياتهم.
* يرى الكثير من المتابعين أن حملات المقاطعة التي يُدعى لها في المجتمع السعودي ضد بعض الشركات لا تنجح، في حين أن مثيلاتها في الدول الأخرى تكون مؤثرة؛ فما أسباب فشل حملات المقاطعة السعودية؟
- المقاطعة تحتاج إلى تنظيم أكبر؛ فما يوجد حالياً هو منتدى واحد، ودعوات "تويترية"، سرعان ما تُنسى بعد أيام، إضافة إلى أن السوق لدينا عادة ما تخضع لاحتكار قلة، وليست منافسة كاملة، ولا منافسة احتكارية؛ فالبنوك مثلاً تقتسم السوق ورواتب الجهات الحكومية والجهات الخاصة، وشركات الألبان تقتسم السوق بحصص معينة، وكل واحد يعرف زبونه؛ وبالتالي فغياب المنافسة الفعلية تعطي هذه الشركات قدرة على تحمل المقاطعة، ولاسيما أن المقاطعة جهود فردية، تبدأ بحماس سرعان ما يخبو ويتلاشى.
* في مقال سابق لك بعنوان "سعودة السفارات والملحقيات" دعوت لتوظيف
السعوديين والسعوديات في هذا المجال، فهل ترى أن الشباب السعودي قادر على العمل في السفارات والقنصليات السعودية في الخارج؟
- نعم، الشباب السعودي بفئتيه قادر على العمل والإنجاز، ومستعد لأن أعد لك نماذج مشرفة.
والحقيقة أن المقالة التي ذكرتها نوقشت في كثير من البرامج الاقتصادية في التلفزيون، واستُضفت شخصياً في بعض وسائل الإعلام للحديث عن هذا الموضوع، وناقشت وكيل وزارة الخارجية الأمير خالد بن سعود بن خالد في توظيف السعوديين في السفارات، وأكد لي سعي الوزارة إلى ذلك، وأوضح أن نسبة السعودة في سفاراتنا في الدول العربية جاوزت 90 %، وستسعى الوزارة لزيادة نسبة السعوديين في سفاراتنا في البلاد الأخرى. كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير أسامة نقلي بمثل هذه الأرقام، وحرص الوزارة وسعيها للسعودة. أما وزارة التعليم العالي فلم تعلق على الموضوع، ولم نسمع لها صوتاً، وكأن الأمر لا يعنيها، بل إنني في مقالة أخرى "تحديت" وزيرها باستعدادي لتوفير الموظفين السعوديين الأكفاء للعمل في الملحقيات حينما صرح بعدم رغبة السعوديين في تلك الأعمال، وهو ما لم يرد عليه وزير التعليم العالي حتى اليوم.
* ذكر وزير النقل أخيراً أن "تعثر المشاريع في السعودية يعود لأسباب بيروقراطية، سواء بسبب قِدم الأنظمة الإدارية والمالية، أو لوجود النقص في الكوادر الإدارية والفنية المؤهلة".. هل تتفق معه؟
- تعثر المشاريع يعود لغياب الإدارة الجيدة التي تشرف عليها؛ فأزمتنا الحقيقية هي أزمة إدارة. أضف إلى ذلك ضعف أو غياب المحاسبة والعقوبة. وأرى ضوءاً في آخر النفق كما يُقال؛ فالمشاريع حالياً أصبح يوضع لها لوحة بتاريخ بدء العقد ومدة الانتهاء، وأتمنى أن تقضي الإجراءات الجديدة على التعثر والتأخير غير المبرر.
* بعد هذا الفائض المالي الكبير و"البحبوحة" التي تعيشها السعودية حالياً.. هل يجدر بنا أن نتخوف من سنوات اقتصادية عجاف قادمة؟ وكيف يمكن التعامل معها إن حدثت؟
- بالطبع نعم؛ فنحن نعتمد على تصدير سلعة ناضبة، تحدد أسعارها قوى العرض والطلب في سوق عالمية، ليس لنا عليها تأثير؛ وبالتالي فإنني مع من ينادي بالادخار في صناديق للأجيال وللزمن المقبل. ولكن أعود وأقول لك إن تراكم المشاكل التي لم تحل في حينها جعل أموال الطفرة الحالية تذهب لعلاج أزمات زمن مضى. وتلاحظ أن الصرف السنوي يفوق كثيراً أرقام الموازنة المعلنة في بداية العام، كما أن سياسات تنويع مصادر الدخل لم تنجح كثيراً، وما زال النفط هو عماد التنمية وتنفيذ المشاريع. أتمنى حقيقة أن يكون التفكير بجدية كبيرة في إنشاء صناديق استثمارية، تُدار بحرفية، وتقتنص الفرص الجيدة في العالم؛ لتوفر للحكومة دخلاً جيداً، تستطيع الصرف منه في حالة انخفاض أسعار النفط أو تناقص الطلب العالمي عليها.
* يرى الكثير من المراقبين أن هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" لم تقُمْ بدورها كما يجب حتى الآن، ويطالبون بدمج الأجهزة الرقابية جميعها في جهاز رقابي قوي واحد، كيف ترى مثل هذا الطرح؟
- أنا أول المطالبين بدمج الجهات المتشابهة في جهاز وإدارة واحدة؛ فلدينا نزاهة، وديوان المراقبة، والمباحث الإدارية، وغيرها، كلها أنشئت للهدف نفسه؛ فلماذا لا تُدمج وتوحَّد جهودها وميزانياتها؟ وبمناسبة "نزاهة"، أعتقد أن بداياتها غير مقنعة؛ فالناس يعرفون المسموح والممنوع، والصلاح والفساد، ولا يحتاجون لتذكيرهم، وإنما يريدون أن تزلزل الهيئة عروش الفساد، وتعاقب وتحاسب وتسجن وتغرم وتفضح.. ولاسيما أنها أُعطيت الصلاحيات، وتدعم وترعى من قِبل خادم الحرمين الشريفين شخصياً، ويجب ألا تكون أقل من طموحاته وطموحات الناس الذين تأملوا في إنشائها القضاء على الفساد بكل أشكاله وصفاته. وأذكر أنني قرأت مقولة لا أعرف لمن، تقول "ما أعظمها من مكافأة أن تقول للفاسد والظالم إن الله سيحاسبك"، والحقيقة أن الفاسد والظالم ربما كانا أكثر حفظاً للآيات والأحاديث التي ترسلها لنا "نزاهة" على الجوالات؛ ولذا فالمحاسبة والعقوبة هما ما سيردع وليس الرسائل والإعلان في الصحف.
* ماذا يحتاج قطاع التأمين في السعودية؛ لكي يسهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل أكبر؟
- التأمين يحتاج إلى إيقاف سريع لسيل شركاته التي أغرقت سوق الأسهم، وجميعها تقريباً لم تنجح، وبلغت خسائرها الكثير، وقاربت كثير منها على الإيقاف حسب نظام السوق المالية. يجب إعادة دراسة السوق، وحاجتها الفعلية، وتشديد شروط الإدراج لهذه الشركات، ودمج كثير منها؛ فالشركة حينما تفلس يتعدى ذلك ملاكها إلى المساهمين وإلى الموظفين فيها، وإلى البنوك التي أقرضتها، وإلى الاقتصاد كله؛ فيجب ألا يرخص لشركة حتى التأكد مليون في المئة من نجاحها وكفاءة إدارتها وجديتها؛ حتى لا نفقد الشركات تباعاً، ويخسر الناس، ويتعطل الموظفون، وبعدها نبدأ نطلب من الدولة التدخل وإنقاذ الشركة، وما لم نبدأ من اليوم فبعد خمس سنوات لن يوجد أثر لهذه الشركات في السوق.
* إلى أي مدى تصدق عبارة "الأمطار تكشف عورة مشاريعنا الحكومية"؟
- نعم، الأمطار والكوارث الطبيعية كشفت كثيراً من المستور، وكشفت رداءة التنفيذ، وفساد كثير من العقود. وللأسف فإن الفساد في العقود الحكومية "تمأسس"،أي أصبح مؤسساتياً، وأصبح الأصل، وعدمه الاستثناء، وهذا يعيدنا إلى أهمية دور مكافحة الفساد وأخواتها في إعادة الوضع لطبيعته الصحيحة، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والمتابعة، وفتح السجون، وعدم الرأفة بالمفسدين، و"ضرب زيد ليرتدع عمر".
* كتبتً مقالات عدة تنتقد شركة "سمة"، ورد عليك مديرها، ثم رددت عليه، فما هو مأخذك على هذه الشركة؟
- نعم، أنا قلت إن شركة "سمة" استنساخ مشوه لما يعرف بشركات "التاريخ الائتماني" في أمريكا؛ فهناك حينما تكون شخصاً ملتزماً فأنت تحصل على مزايا وإعفاءات وقروض أرخص وحدود أعلى للقرض.. أما عندنا فإن كنت سيئاً أوقفوك، وإن كنت شخصاً ملتزم فلن تستفيد، ولن تحصل على أية مزايا أو إضافات، هذا أولاً. وثانياً: شركة سمة أفرزت لنا ظاهرة "الملصقات" على الصرافات والحيطان وأعمدة الكهرباء، وكلهم يعدونك بالسداد عنك، وإخراجك من القوائم السوداء، وهذه الظاهرة لم تعرفها سوقنا من قبل. إذن "سمة" سببت تشويهاً في سوق الائتمان السعودي. والغريب أن تطالب هذه الشركة من وزارة الداخلية ملاحقة هؤلاء الأشخاص، وهي من تسبب في وجودهم. والأدهى ما عرفته مؤخراً من أنك لو اشتكيت البنك أو شركة الإقراض، وكان الحق معك، فإن "سمة" تعاقب وتغرم البنك والشركة، وتأخذ هذه الغرامة لخزانتها. بمعنى أنك لا تحصل، بوصفك شخصاً متضرراً، على شيء، ولا أدري بأي حق أو منطق يتم ذلك.
عموماً، "سمة" - في رأيي - سبَّبت تشويهاً لسوقنا، وأرجو من مؤسسة النقد إعادة دراسة وضعها، وإيقافها؛ حتى يتم إيجاد جهة أخرى تمثل المواطن، فـ"سمة" شركة أسستها البنوك للحفاظ على مصالحها، ومن غير المنطقي أن يكون البنك هو الخصم، وشركته "سمة" هي الحكم والقاضي؛ فالنتيجة معروفة سلفاً؛ لذا أطالب مؤسسة النقد مرة أخرى بالتدخل وإيقاف هذه الشركة حتى يتم إيجاد شركة أو هيئة أو مؤسسة تمثل المواطن، وتدافع عن مصالحه مقابل البنوك وشركات التقسيط والاتصالات التي لا تسمع إلا بأذن واحدة.
* طالبت بفتح الباب لزيادة عدد البنوك التجارية في السعودية، فلماذا؟ وهل تعتقد أن العدد الحالي غير كافٍ لحاجة السوق المحلية؟
- بالتأكيد، العدد غير كاف ولا بنصف حاجة السوق المحلية؛ فعند النظر إلى واقع البنوك ستلاحظ الآتي: أن البنوك أو فروع البنوك الأجنبية التي دخلت السوق خلال السنوات الخمس الماضية اكتفت بفرع أو اثنين على الأكثر، وغالبية هذه البنوك اكتفت بوكالات تبحث عن شريحة الأثرياء فقط، ولم تدخل أو تسهم هذه البنوك في تقديم الخدمة المصرفية للأفراد. ثانياً: إن البنوك السعودية ذات الشراكات الأجنبية اكتفت بالمدن الكبيرة والمتوسطة، ولم تتمدد للقرى والهجر لخدمة أهلها. ثالثاً: ثلاثة أو أربعة بنوك "شعبية" هي التي تحاول القيام بالمهمة المستحيلة، وهي تغطية أنحاء السعودية بالبنوك، ولن تستطيع مهما حاولت. وبناء على بعض الأرقام فإن 35 % من سكان السعودية ما زالوا يعتمدون "الكاش" في تعاملاتهم، وهي نسبة غير قليلة، ومن خلال مشاهداتي خلال زيارتي لقريتنا في المنطقة الوسطى، ومروري بما لا يقل عن 35 قرية حولها، فلا تجد فيها فرع بنك أو صرافاً واحداً، وهو ما يثير التساؤل: لماذا؟ لماذا ننتظر الراجحي أو بنك الرياض ليفتح فرعاً في بيشة أو عرعر أو القريات؟ لماذا لا يُفتح الباب لأهل هذه المناطق لفتح بنوك في مدنهم؛ لتخدم قراهم وتجمعاتهم، وتوفر فرصاً استثمارية لرجال الأعمال هناك، وتوفر فرصاً وظيفية لأبناء هذه المناطق، وتسهم في خدمتهم اجتماعياً ومالياً؟ أعتقد أن الموضوع ليس بتلك الصعوبة؛ فالنظام المصرفي يحكم الجميع، وما يحكم 12 بنكاً حالياً يمكن أن يسري على 50 و100 بنك، ولكن الموضوع يحتاج إلى إرادة جادة من مؤسسة النقد، وهذا هو المفقود.
* هل استفاد الاقتصاد السعودي من الاستثمار الأجنبي والمستثمرين غير السعوديين أم العكس؟
- الاستثمار الأجنبي لم يفدنا كثيراً؛ فلا تقنية ولا عمالة ماهرة، ولا سلع ذات قيمة مضافة تمت إضافتها لاقتصادنا.. وأعتقد أنني لا أملك شيئاً زائداً عما قيل سابقاً في الموضوع، وكل تمنياتي لمحافظ هيئة الاستثمار الجديد بالتوفيق لإصلاح ما وقعت فيه الهيئة من أخطاء، كلفت اقتصادنا كثيراً.
* ما أبرز التحديات التي ستواجه الاقتصاد السعودي مستقبلاً؟
- الاقتصاد السعودي يعيش أزهى مراحله حالياً، وأقول الاقتصاد، ولا أقول المواطن. وأعتقد أن المشروعات التي نثرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - خلال السنوات الماضية ستؤتي أكلها بعد حين؛ فكل مدينة وقرية وطريق وشاطئ ورشة عمل، ومليارات الريال دفعت لتنمية كل أرجاء الوطن، وكل ما نحتاج إليه هو بعض الصبر حتى ينتهي تنفيذ هذه المشاريع. والدعاء لأبي متعب بطول العمر وموفور الصحة. أما التحديات فكثيرة، أبرزها ضرورة تنويع مصادر الدخل، ورفع جودة وكفاءة التعليم، والتخطيط المسبق المبني على الدراسات، والعلم لحل المشكلات قبل وقوعها.