كل يوم يمضي على الثورة السورية مع حجم التآمر العالمي عليها يرسخ أن هذه الثورة ربانية، وأن مددها رباني، وأن بقاءها بأمر رباني، وأن البشر مهما بلغت قوتهم وحيلتهم يعجزون عن تدبير أمر كهذا، بغض النظر عن توجهات الثوار السوريين وكونهم خليطا من الأبرار والفجار؛ فإن الله تعالى يؤيد دينه بالرجل الفاجر وإن لم يرد ذلك.
لقد اندلعت ثورتا تونس ومصر ووقف الجيش فيهما على الحياد، فلما غلب الثوار قوات الأمن الداخلي والأمن الرئاسي سقط النظامان.
واندلعت الثورة في ليبيا فحرك القذافي جيشه ليبيد الليبيين، واستأجر مرتزقة إفريقيا ليقتلوا بلا رحمة ولا هوادة حتى تدخل حلف الأطلسي بقيادة فرنسا للكسب من ليبيا النفطية المتاخمة لأوربا، فسقط النظام العبيدي وسُحل القذافي.
واندلعت ثورة اليمن فكان للتركيبة القبلية وامتلاك اليمنيين للسلاح أثر في التوازنات والتكافؤ بين قبيلة الرئيس والقبائل المعارضة، ورغم الرشاوى الضخمة من الرئيس ومن بعض دول الخليج لوأد الثورة فإن الثورة نجحت واستطاعت أن تطيح بالرئيس.
لكن ثورة سوريا غير كل الثورات، ووزنها الاستراتيجي يعدل كل الثورات السابقة عليها ويرجح بها؛ لأنه لا يقتلع نظاما طاغوتيا فحسب كما في الثورات الأخرى، ولا يمنح الحرية لشعب واحد، وإنما سيغير التركيبة الإقليمية للمنطقة بأسرها، ويعيد توازنات القوى فيها، ويلخبط حسابات الغرب والصفويين والصهاينة الانتهازية التآمرية على الأمة المحمدية؛ ولذا رمت الدول الشيوعية، والدولة الشيعية بأذرعتها المختلفة.. رمت بثقلها كله خلف النظام النصيري لحفظه من السقوط، وتآمر الغرب الديمقراطي وصاحبة النفاق الأكبر أمريكا سياسيا على تجفيف منابع الثورة، وتكتيف أيدي الدول التي لها مصلحة في سقوط النظام النصيري حتى مُنع جمع البطانيات لتدفئة اللاجئين السوريين!!
ومبادرات الغرب من سيء الذكر العربي مرورا بالعجوز الأسمر أنان وانتهاء بالأشيمط الفاشل الإبراهيمي تدل على أن الغرب يريد من النظام الخبيث وحلفائه الروس والصينيين والصفويين وخدامهم أن يبيدوا الشعب السوري عن بكرة أبيه، وإلا فالمقاطع المسربة من النصيريين، من قتل وتمثيل بالجثث، وسحل في الشوارع بالسيارات والدراجات، وتقطيع الأطفال وتعذيبهم لا يمكن أن يسكت العالم عنها، والغرب يمتلك إيقافها في لحظة لولا أن الثورة تجري على غير هواه وهوى ربيبته إسرائيل.
وبهذا صار الثوار السوريون يواجهون العالم كله، وهم عزل إلا من سلاح قليل يشتريه لهم بعض المحسنين متخفين عن أعين حكوماتهم وأعين المخابرات الدولية، وسلاح يغنمونه من عدوهم، في حين أن النظام النصيري يمتلك سلاح الجو والبحر والقوات البرية إضافة إلى قرابة عشرين جهاز أمن ومخابرات بنيت من قوت الشعب خلال أربعة عقود، وجسور جوية من طهران تمد النظام، وناقلات بحرية تنطلق من روسيا لتفرغ مخزونها من السلاح العتاد في ميناء طرطوس. فلا غرابة في أن يواجه الشاميون هذه التحديات كلها وحدهم، ولا عجب في أن تكون ثورتهم متناغمة مع فضلهم الثابت في الأحاديث الكثيرة.
لقد أراد الله تعالى أن يذل هذا النظام الطاغوتي المخابراتي الخبيث على أيدي أضعف عباده، فانطلقت الثورة على أيدي الأطفال، وغذاها الأطفال بدمائهم، وصمدوا في وجه الطاغوت، وبصق أشهرهم وهو تحت التعذيب بكل جرأة وشجاعة وعزة وإباء على صورة الرئيس الباطني الذي عبّد البشر لنفسه من دون الله تعالى، ليُقطع الطفل ويمثل بجسده الطاهر في مشهد إيماني يذكر بوقوف موسى عليه السلام أمام فرعون، وتحدي غلام الأخدود للطاغية الذي أحرق الناس. فيستحيي الشباب والرجال لما رأوا فعل الأطفال فتشتعل الشام عزة وإباء تحت أقدام النصيرية الخبثاء، وتمتد نار الثورة لتحاصر الطاغوت في قصره، وإن أجل حكمه قد اقترب بإذن الله تعالى.