كشفت لـ "الاقتصادية" مصادر مطلعة أن مشروع برج هيئة السوق المالية الواقع في مركز الملك عبد الله المالي، مخالف لنظام الهيئة نفسها بالنظر إلى أن الهدف منه كان استثمارياً بحيث يتم تأجير جزء كبير منه، وهذا "في حد ذاته مخالف قانونياً للمادة الربعة التي تمنع الهيئة من الأنشطة التجارية والاستثمارية".
وتنص المادة الرابعة من نظام هيئة السوق المالية على أنه: "يحظر على الهيئة أن تقوم بأي نشاط تجاري، أو أن تكون لها مصلحة خاصة في أي مشروع بقصد الربح، أو أن تقترض أو تقرض أي أموال، أو أن تقتني أو تمتلك أو تصدر أي أوراق مالية".
وأضافت: "هيئة السوق المالية بدا أن لديها مشكلة في سداد المبالغ المترتبة عليها وبناؤه يفوق طاقتها، وبالتالي كان يجب عليها في الأساس أن تلتزم بالضوابط القانونية، وأن يكون لها بعد استراتيجي قبل المغامرة في ذلك".
وطالبت المصادر بضرورة أن تكشف هيئة السوق المالية عن القيمة الفعلية لتكلفة بناء مشروع البرج، ومدة التنفيذ، بالنظر إلى تضارب الأرقام حول تلك التكلفة، ولا سيما أن هيئة مكافة الفساد ألزمت الجهات الحكومية بالإفصاح للجمهور عن تكلفة أي مشروع ومدة تنفيذه.
وتابعت: "يفترض في هذه الحالة أن تتدخل هيئة مكافحة الفساد للاطلاع على ظروف وملابسات هذا المشروع، وأيضاح تفاصيله أمام المجتمع".
وهنا قال لـ "الاقتصادية" إبراهيم الناصر المستشار القانوني العام ومدير الإدارة القانونية في هيئة السوق المالية السعودية سابقاً، إن نظام الهيئة حرص على أن يكون لها استقلالية تضمن عدم دخولها في أنشطة استثمارية، وبالتالي دخولها في تلك الأنشطة مخالف للقوانين.
وقال الناصري: "من مخالفات هيئة السوق المالية الصريحة أيضاً ما تقوم به لتوفير مصادر دخلها وهي الغرامات التي تفرضها على المخالفين، والمكاسب التي يحققها أيضاً هؤلاء المخالفين عبر عمل تسويات معهم وتحصيل تلك الغرامات مباشرة دون عرضها على لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وهذا قد يعرض الهيئة إلى اتهامات بالتشدد في تطبيق النظام بغرض توفير موارد مالية تستخدمها لأغراض استثمارية".
وأفاد الناصري قائلاً: "بناء هيئة السوق المالية لبرج بهذه الضخامة يتعارض مع روح النظام وهو الاستقلالية الكاملة للهيئة نظراً للطبيعة الخاصة لها حيث إنها هي الجهة المنظمة للمصالح المتعارضة في السوق المالية".
ويأتي ذلك بعد أن انفردت "الاقتصادية" أمس بنشر خبر يشير إلى توجيه المقام السامي وزارة المالية، ومؤسسة النقد بسحب مشروع برج هيئة السوق المالية الجديد الواقع في مركز الملك عبد الله المالي من الهيئة نفسها، وتسليمه للمؤسسة العامة للتقاعد - مالك مشروع المركز - وأن الأمر تم تنفيذه أخيراً.
وبحسب المعلومات فإن البرج الذي وصف عند بدء تنفيذه بأنه الأضخم على مستوى العالم وردت عليه ملاحظات هيكلية من حيث عدد الأدوار الكبير الذي يضمه والبالغ 80 دوراً، والذي يفوق احتياجات هيئة السوق المالية، إلى جانب تأخر التنفيذ فيه.
ولم يتسن لـ "الاقتصادية" في حينها الحصول على معلومات عن الموضوع من هيئة السوق المالية.
وقالت مصادر: "تم سحب مشروع البرج من هيئة السوق المالية، والآن أصبح ملكا للمؤسسة العامة للتقاعد منذ أيام، والهيئة تعمل حالياً على سداد المبالغ المترتبة عليها من قيمة بناء البرج".
ويصف مراقبون الحدث بأنه يعد تطوراً في برج هيئة السوق المالية السعودية والذي شغل حيزاً من اهتمامات المجتمع خلال الفترة الماضية بالنظر إلى ضخامة حجم المشروع (385 مترا)، والقيمة المالية المخصصة لتنفيذه والتي قدرتها بعض النشرات الاقتصادية العالمية بنحو 3.7 مليار دولار.
فيما تشير تقديرات أخرى إلى أنها تصل إلى 700 مليون دولار، وهو الأمر الذي يشير إلى أن الأرقام الحقيقية لتكلفة مشروع البرج لا تزال غامضة، وتخضع لتقديرات جهات اقتصادية، بالنظر إلى أن الجهات المعنية لم تصدر أي توضيح حيال ذلك.
وحسب معلومات هيئة السوق المالية الأخيرة، فإنه "تم إنجاز 50 في المائة من أعمال البرج"، ويتوقع الانتهاء من تنفيذ المشروع مع نهاية 2013، في الوقت الذي وصفت فيه مشروعها بأنه "أحد أهم المباني المكتبية من حيث المساحة والتنظيم والمواصفات التقنية".
"الاقتصادية" سألت مسؤولين في المشروع عن وضع برج هيئة السوق المالية لكنهم اكتفوا بالقول: "ما نعلمه أن المشروع مستمر من حيث أعمال البناء حتى الآن".
ويتكون المشروع الذي يقع على مساحة 5.962 مترا مربعا من أربعة أدوار تحت الأرض و80 دورا فوق الأرض تشمل ثلاث مناطق بارتفاع ثلاثة طوابق تحوي غرف التبريد المركزية والخدمات الميكانيكية الأخرى. ويشرف البرج على منطقة الساحة المالية والوادي الصناعي.
وقالت الهيئة في بيان سابق لها إن البرج سيصبح من بين أعلى الأبراج في العالم بمساحة مكتبية تبلغ 185 ألف متر مربع، وسيكون الجزء العلوي من المبنى مقراً لهيئة السوق المالية.
وأوضحت أنها "تتطلع إلى الانتهاء من أعمال البرج الجديد والانتقال إليه أوائل 2012"، لكن بدا أن تأخر أعمال التنفيذ في البرج الضخم حال دون ذلك.
وأشارت مصادر اقتصادية إلى أن البرج يتجاوز احتياجات هيئة السوق المالية، وأن تكاليف تنفيذه تعد باهظة مقارنة بأبراج تم تنفيذها في دول أخرى.