د. عبدالرحمن يحيى القحطاني
26 ذو الحجة 1433-2012-11-1110:21 PM
كان للحراك المجتمعي خلال الأسابيع الماضية لمقاطعة شركة المراعي، نتيجة رفعها أسعار بعض منتجاتها، أثرٌ بارزٌ في إظهار قوة المستهلك السعودي في تشكيل الرأي العام، والتأثير بشكل ملموس في شراء منتجاتها. وقد رأى معظمنا، ولمس أثر المقاطعة على المدى القريب، في تكدس منتجات تلك الشركة في العديد من منافذ البيع والتموينات، وهو ما لمسته شخصياً فيها.
وقد تكللت هذه الحملة المنضبطة بنجاح غير مسبوق، تمثل في تحرك وزارة التجارة بإلزام الشركة بإعادة أسعار منتجاتها كما كانت في السابق، وهو ما يُعتقد أنه نتيجة لمطالبات المقاطعة.
وعلينا نحن المستهلكين أن نتعلم الكثير من هذه المقاطعة وعناصر نجاحها؛ لضمان استثمار تلك العناصر متى ما دعت الحاجة إلى ذلك. ولعل من أهم الدروس المستقاة من هذه المقاطعة استخدام وسائط الإعلام الاجتماعي في تعزيز انتشارها بشكل واسع في فئات المجتمع، فضلاً عن قدرة تلك الوسائط على إيصال مطالبات المستهلك السعودي إلى أصحاب القرار في المؤسسات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التجارة. وقد كان لـ"تويتر" السبق والأثر الأكبر في تحقيق هذه المقاطعة أهدافها، وخصوصاً حساب "المستهلك"، عدا بعض المنتديات في الإنترنت، وعلى رأسها منتدى "مقاطعة".
ومن الدروس المستفادة من هذه المقاطعة المشاركة المجتمعية البيِّنة من معظم شرائح المجتمع وتخصصاته؛ فمنهم الناشط في حماية المستهلك، ومنهم الإعلامي والاقتصادي والمهندس والطبيب والمعلِّم.. والقائمة تطول. كما أن تنوع زوايا الطرح لمبررات المقاطعة أسهم بشكل كبير في تعزيز جهودها، وإقناع المجتمع وأصحاب القرار بها؛ فقد رأينا - على سبيل المثال - مَنْ قدَّم رأياً اقتصادياً يفنِّد رفع الأسعار، وآخر يقارن نسبة ال لشركات الألبان محلياً ودولياً، ومنهم مَنْ ركز على خفض أحجام العبوات، ومنهم مَنْ قام بعمل مقطع مرئي حول ذلك، ومنهم مَنْ تبرع لتصميم شعار للحملة، في تناسق وتكامل يثلج الصدر.
وقد أشرتُ في العديد من المشاركات التلفزيونية والصحفية إلى أن تجارب دول العالم تُثبت - بما لا يدع مجالاً للشك - أن للمستهلك قوة مؤثرة في صنع السياسات والأنظمة في الدول متى ما وحَّد صوته، ونظَّم عمله؛ للمطالبة بحقوقه بطريقة منهجية منضبطة.
ولا شك أن تماهي وزارة التجارة مع هذه المقاطعة، وإنصاتها لصوت المستهلك، كان لهما الأثر الأكبر في نجاح أهداف المقاطعة، وإيقاف تمادي الشركة في محاولاتها لرفع الأسعار والتغرير بالمستهلك، بل وإعادة أحجام العبوات كما كانت عليه.
ومن المبدأ الرباني (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا)، فشركة المراعي تمتلك معايير إنتاج عالية، ولا ينكر ذلك إلا متحامل أو جاهل، كما كان لها شعبية وثقة لدى المستهلك السعودي قبل بضع سنين، لكنها فقدت كثيراً من بريقها وثقتها بعد تصرفاتها الأخيرة؛ ولهذا أطالبها بالاعتذار العلني للمجتمع؛ لعل وعسى أن ترجع تلك الثقة.
والسؤال الملِحُّ هنا: هل فعلاً نجحت المقاطعة هذه المرة وضربت في العمق؟ فأجيب "مهلاً"!! فنحن ما زلنا في بدايات طريق النجاح، والعمل محفوف بالتحديات، وبحاجة إلى التعرُّف على نقاط الضَّعْف والمهددات ومواجهتها، ثم البناء على نقاط القوة، والبحث عن الفرص المتاحة لتعزيز النجاحات.
ولا أخفيكم قولاً أنني، ومنذ بداية هذه المقاطعة، كنت أتساءل: ماذا لو استمرت المقاطعة لأكثر من شهر فقط؟ هل سيستمر المستهلك في المقاطعة؟ ثم ماذا لو لم تتحرك وزارة التجارة لمنع زيادة الأسعار؟ هل سنستمر؟.. فقد علمتنا المقاطعات السابقة أن نَفَس المستهلك السعودي قصير، وسرعان ما ينساها أو يتناساها!!
ولعل من أهم جوانب تحديات المقاطعة عدم وجود مرجعية واضحة منظِّمة لها؛ حيث ظهرت كاجتهادات من بعض الناشطين في حماية وتوعية المستهلك بـ"تويتر" وبعض المنتديات في الإنترنت، ويُشكرون كثيراً على هذا الجهد والتفاعل.
هذا التساؤل يحيلنا إلى جمعية حماية المستهلك التي لم نسمع لها ركزاً مؤثراً في هذا الحراك المجتمعي، وهو دلالة واضحة على خلل في إدارتها وعملها، بل عدم إيمان المستهلك السعودي بها.
على كلٍّ، فالمقاطعة في السعودية تشهد نضجاً وتطوراً ملحوظاً، ومن يراجع أدبيات التخطيط للمقاطعات يجد أننا بدأنا في الطريق الصحيح، وعلينا المثابرة والاستمرار بمزيد من التخطيط.
ومن منظور آخر، وبوصفي مهتماً بقضايا تعزيز الصحة في السعودية، هل نجد مستقبلاً مقاطعة من نوع خاص لإحدى الشركات التي تمتلئ منتجاتها بالدهون والسكريات، وتعبث بصحة المستهلك؟
أخيراً، أتمنى أن يعي هذا الدرس رجال الأعمال والتجار؛ فالمستهلك السعودي قادم بقوة - بعون الله - متى ما تم التكاتف والتعاون، وإن عدتم عدنا!!