عند قراءتي لتصريح مصدر مسؤول في اللجنة الوطنية للألبان،نشر في إحدى الصحف المحلية الأربعاء الماضي،والذي يطالب فيه الحكومة بالدعم السريع لمنتجي الألبان،ويناشد أصحاب المحال مساعدتهم بتقليص الرسوم التي يفرضونها على المنتجين، إضافة إلى وجوب تحمل المستهلك جزءا من الزيادة في التكاليف، شعرت لوهلة أن خسائر شركات الألبان تراكمت بالملايين.. أو أنها أصبحت على حافة الإفلاس لا محالة!
ارتفاع أسعار السلع عالميا خلال السنوات الماضية حقيقة لا يمكن إنكارها، وله أسبابه المختلفة، التي انعكست كلها على شكل تضخم طال العديد من المنتجات الغذائية النهائية.. نعم هذا صحيح ولكن هل الوضع بهذا السوء الذي يصوره البعض؟.. وهل هناك ما يدل فعلا في نتائج الشركات المالية على تأثرها بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج؟.. و ما هي معدلات هوامش ال لهذه الشركات؟ وهل هي مقاربة لمثيلاتها في العالم؟
عند الحديث عن ارتفاع أسعار المنتجات، فهناك ثلاثة أطراف رئيسية تتشارك الموضوع.. فهناك مستهلك يرى أنه وقع ضحية لطمع وجشع التجار ويشتكي من تآكل دخله المحدود نتيجة لارتفاع الأسعار وتضخمها، خصوصا تلك الخاصة بالسلع الأساسية.
في المقابل، هناك الطرف الآخر المتمثل في الشركات وإداراتها، التي ترى أن من حقها زيادة أو على الأقل المحافظة على ربحيتها لتحقيق الهدف الرئيسي لوجودها المتمثل في تعظيم ثروة مساهميها.. وطرف ثالث حكومي يتحمل مسؤولية مراقبة وتنظيم السوق بما يحقق مصلحة الطرفين السابقين.
إذا اطلعنا على البيانات المالية التاريخية لشركة "المراعي"، كمثال على أحد منتجي الألبان في السعودية، نجد أن هوامش ال الإجمالية قبل الإهلاكات - نسبة ال إلى الإيرادات بعد خصم التكاليف المباشرة النقدية باستثناء الإهلاكات - تراجعت من معدل 52 % عام 2002 إلى نحو 46 % في عام 2011، أو بمعنى آخر أن شركة "المراعي" أصبحت تدفع 54 ريالا تكاليف مباشرة نقدية لكل 100 ريال من مبيعاتها بدلا من 48 ريالا كانت تدفعها قبل 10 أعوام..
أما معدل هامش ربحية شركة "المراعي" بعد خصم المصاريف الإدارية والتسويقية، وقبل خصم الضرائب ( الزكاة ) والمصاريف التمويلية والإهلاكات، فيترواح منذ عام 2007 حتى عام 2011 فيما بين 32 % و29 %.. ولكن هل هذه المعدلات مقاربة لما تسجله الشركات العاملة في المجال نفسه حول العالم؟
في هذا الجانب، استعنت بموقع "ان فايننشال" العالمي – المتخصص في عرض البيانات المالية والمؤشرات المالية المتعلقة بها للشركات المساهمة حول العالم ومقارنتها بالشركات المماثلة لها في النشاط – لإعداد دراسة مبسطة تقارن بين شركة "المراعي" مع الشركات المماثلة لها حول العالم من حيث هوامش ال على ثلاثة مستويات تظهر في الجداول المرفقة بهذا المقال.
أهم الملاحظات على البيانات المستخلصة:
- يقدر الموقع المشار إليه متوسط هوامش ال للشركات المماثلة لـ "المراعي" على النحو التالي:
1- متوسط معدل الربحية قبل الضرائب ومصاريف التمويل والإهلاكات نسبة إلى المبيعات يتراوح فيما بين 8 إلى 9 %، مقارنة بهوامش تزيد على 30 % لشركة المراعي.
2- متوسط ال الصافية نسبة إلى المبيعات لشركات الأغذية يبلغ في حدود 3 % قياسا بمعدلات تتراوح فيما بين 14 و19 % عند شركة المراعي.
- معدل هامش ال الإجمالي قبل الإهلاك لشركتي "المراعي" و"نادك" من أعلى المعدلات بين شركات الأغذية المعروضة، حيث تبلغ فيما بين 43 و46 % مقابل معدلات للشركات الأخرى تتراوح فيما بين 5 إلى 37 %.
- هناك شركات أغذية عالمية تأثرت كثيرا ربحيتها خلال آخر السنوات بنسب كبيرة مع ارتفاع التكاليف وعدم قدرتها على تمرير هذا الارتفاع إلى أسعار المنتجات النهائية بسبب المنافسة، فيما حافظت الشركات السعودية على نسب ربحية متقاربة خلال السنوات الثلاث الماضية.
- المقارنة من حيث هوامش ال و ان كانت تلغي فروقات الحجم بين الشركات الا ان هناك عوامل كثيره اخرى تؤثر على النتائج، فهناك شركات تعمل في قطاعات وأسواق متعددة وانخفاض هوامش ها لا يعني أنها لا تتمتع بهوامش عالية في منتجات أو أسواق معينة، ولكن ارتفاع هوامش ال للشركات السعودية كالمراعي مثلا يعني أن أسواقها ومنتجاتها تتسم بالربحية العالية.
ما التعليق المحتمل للأطراف الثلاثة السابق ذكرهم على هذه البيانات؟!
بالنسبة للمستهلك: " اما قلت لكم ان هؤلاء مصاصي دماء يطالبوني بان اتقاسم تكاليفهم و هذه البيانات تثبت انهم يربحون باعلى المعدلات! مافي حل الا المقاطعة فالمثل يقول " الطمع فرق ما جمع "!!
أما إدارة الشركات: "نواجه تحديات كبيرة من ارتفاع تكاليف الإنتاج وصمودنا المتمثل بالمحافظة على هوامش ال المرتفعة ما هو إلا دلالة على كفاءة إدارة عمليات الإنتاج والتحكم في التكاليف".
الطرف الثالث المنظم "الموضوع تحت الدراسة"!!
وأنت عزيزي القارئ ما تعليقك؟؟
هامش الربح الاجمالي بعد استبعاد الاستهلاك: تعني نسبة ال ( بعد خصم التكاليف النقدية المباشرة بدون الاهلاكات ) الى المبيعات