غرس الإسلام في أصحابه عزة النفس وعلو الهمة، والترفع عن دنايا الأمور، فحثهم على أن تكون أيديهم هي العليا، استعفافاً عّما بأيدي الناس، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيما أخرجه الستة ما عدا ابن ماجة، قال: إن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغنٍ يغنه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء أوسع من الصبر».
وقد وصل الأمر بالنبي صلى الله عليه وسلم أن جعل عدم سؤال الناس ضمن المبادئ التي يبايع عليها أصحابه رضي الله عنهم، فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: « كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ ولنا حديث عهد ببيعة، قنا: قد بايعناك! حتى قالها ثلاثاً، وبسطنا أيدينا فبايعنا، فقال قائل: يا رسول الله، إنا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا» وأسّر كلمة خفية، قال «ولا تسألوا الناس شيئاً»، قال راوي الحديث: «فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطُه، فما يسأل أحداً أن يناوله إياه. (أخرجه مسلم).
وعن ثوبان رضي الله عنه فيما أخرجه أبو داود والبيهقي في الكبرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاَ وأتكفل له بالجنة؟ فقال: أنا يا رسول الله فقال: لا تسأل الناس شيئاً، فكان لا يسأل أحداً شيئاً.
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سؤال الناس وعنده ما يكفيه حرام على المسلم، لما في ذلك من تعريض النفس للهوان والمذلة.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً فيما أخرجه الشيخان: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً فيما أخرجه أبو داود: «من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار أو من جمر جهنم٬ فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: «قدر ما يغذيه ويعشيه». والكفاية ما يكفي المرء من حاجاته الأساسية من طعام ولباس وسكن.