يحكى عن ابن الراوندي أنه جاع يوماً و إشتد جوعه فجلس على الجسر و قد أمضه الجوع .
فمرت الخيل مزينة بالحرير و الديباج فقال : لمن هذه ؟ فقالوا : لعلي بن بلتق غلام الخليفة .
فمرت جوار مستحسنات فقال : لمن هذه ؟ فقالوا : لعلي بن بلتق .
فمر به رجل فرآه و عليه أثر الضر فرمى إليه رغيفين فأخذهما و رمى بهما ، و قال : هذه لعلي بن بلتق و هذان لي ؟
نسي الجاهل الأحمق أنه بما يقول و يعترض و يفعل أهل هذه المجاعة .
فيا معترضين و هم في غاية النقص على من لا عيب في فعله . أنتم في البداية من ماء و طين ، و في الثاني من ماء مهين ، ثم تحملون الأنجاس على الدوام ، و لو حبس عنكم الهواء لصرتم جيفاً .
و كم من رأى يراه حازمكم فإذا عرضه على غيره تبين له قبح رأيه .
ثم لمعاصي منكم زائدة في الحد .
فما فيكم إلا الإعتراض على المالك الحكيم ؟ .
و لو لم يكن في هذه البلاوي إلا أن يراد منا التسليم لكفى .
و لو أنه أنشأ الخلق ليدلوا على وجوده ثم أهلكهم و لم يعدهم كان ذلك له ، لأنه مالك ، لكنه بفضله و عد بالإعادة و الجزاء و البقاء الدائم في النعيم .
فمتى ما جرى أمر لا تعرف علته فانسب إلى قصور علمك .
و قد ترى مقتولاً ظلماً ، و كم قد قتل و ظلم حتى قوبل ببعضه .
و قل أن يجري لأحد آفة إلا و يستحقها غير أن تلك الآفات المجازى بها غائبة عنا و رأينا الجزاء وحده .
فسلم تسلم ، و إحذر كلمة إعتراض أو إضمار ، فربما أخرجتك من دائرة الإسلام