[IMG]http://www.anouarmalek.com/wp-*******/uploads/yapb_cache/545454.ee688qrhc7wwo4sgww8g0gco4.39bwbymol4owgw8k0skc0ssko.t h.jpeg[/IMG] في البدء حاولت الوصول إليكم ولكن الأبواب موصدة في وجهي ولم أجد غير رسالة عامة أمام الشعوب ليكونوا شهداء علينا جميعا. كنت في سوريا منذ أكثر من عشرة أشهر كمراقب وكانت حينها حمص ومدن أخرى تتعرض للقصف والقنص والقتل ولكنها ليست كماهي اليوم مدمرة كاملا وما تبقى من مدن أخرى تحت الحصار القاتل والقصف الجوي الحربي العشوائي الذي لم يسبق مثيله بالتاريخ. وجدت نفسي بين خيارين، إما أن أغدو “شبيحا” يستعملني النظام فيما يريد لتصفية معارضيهومخالفيه، أو أقف مع الحق وقفة حق أوجبها الضمير الإنساني والأخلاقي قبل أي قيم أخرى، فإنحزت طبعا للحق الذي تعلمناه في مدرسة الثورة الجزائرية التي أنتم منها أيضا. السيد الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي لسوريا عندما جاء كوفي عنان بعد الجنرال الدابي قلت في اليوم الأول أن مهمته لا تختلف ولم يتغير غير لون اللباس وعنوان البعثة، وهي أم المهازل، لأنني عايشت الداخل السوري وتواصلت مع قيادات سورية بينها العماد آصف شوكت ووزير الداخلية محمد الشعار ومحافظ حمص اللواء غسان عبدالعال وضباط مخابرات وزرت ثكنات وحواجز وسجون ومعتقلات ومشافي، وأدركت من خلال تفكيرهم ودمويتهم أن الحل السلمي في ذلك الوقت دون وسائل ضغط، هو مجرد خطرفة عربية ودولية لا تخدم إلا نظام بشار الأسد. كما أعطيت في عدة مداخلات إعلامية ومقالات، مقاربة يجب مراعاتها لإنجاح أي خطة دولية وتتعلق بالإنطلاق من الفصل السابع وتوفير الممرات الآمنة والإنسانية والإغاثية ثم قدمت شروطا لوجستية مختلفة لعمل المراقبين من حمايتهم وغير ذلك، وإن لم يتم مراعاة هذه المقاربة فمصير عنان هو الفشل، وهذا الذي جرى فعلا وللأسباب التي ذكرتها. وكما يعلم الجميع أن الأمر تطور إلى أن الشعب الذي كان يحصي قنص أطفاله صار إلى ماهو أخطر بكثير حيث صار يحصي المجازر الجماعية التي إهتز لها وجدان البشرية. إنتهت بعثة المراقبين الدوليين إلى ما يعرفه الكل من فشل ذريع، ولا تزال حرب الإبادة ضد الشعب السوري متواصلة، وتطورت من قناصة وقصف من بعيد أو محاولات الإقتحام بالدبابات في عهد الجنرال الدابي، إلى مجازر جماعية بالسكاكين والسواطير في عهد عنان وقصف بالطيران الحربي هو ما عليه الآن شأن سوريا. ترى ماذا ستفعل أيها المبعوث الدولي مع شعب قتل وشرّد وذبح من قبل نظام يتلقّى الدعم الروسي والإيراني والعراقي واللبناني والصيني وفق أجندة طائفية وإستقطابية غير إنسانية مطلقا؟ !! أنتم أدرى مني بالأسباب التي دفعتكم للمغامرة برصيدكم الدبلوماسي -مهما كانت إنتقاداتنا السابقة لكم- في هذه المهمة الصعبة جدا، والسهلة في الوقت نفسه من جانب آخر، الصعبة إذا فكرنا بمنطق فشل فيه الدابي وغرق بوحله عنان، والسهلة إذا نظرنا إلى الأمور بمنطق مصلحة الشعب السوري وبلده التي تقتضي توفير آليات فعلية وفهم سليم لحقيقة الأزمة بعد مراجعة الذات وفق تجارب سابقة باءت بالفشل، ويكفي تجربتكم مع هدنة عيد الأضحى التي هي مؤشر سيء وفاصل على ما ينتظركم مستقبلا.
أيها المبعوث الأممي والعربي حتى لا يقال عنكم أنكم في شيخوختكم سقطتم في حقل ملغوم أو أنكم تودّون العودة للأضواء كما صار يراها الكثيرون للأسف الشديد، أنصحكم بحكم التجربة وأنتم لا تنقصكم الحنكة الدبلوماسية إذا أردتم الحق والحقيقة، ولكن ما خاب من استشار ولو يكون المستشار إنسانا بسيطا جدا. عليكم أن تخيّروا أعضاء مجلس الأمن والأمم المتحدة بين الإعتذار عن المهمة بإستقالة بعد إفشال هدنة الأضحى من قبل النظام السوري، أو بقرار فاصل موحّد من مجلس الأمن تحت إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تبدأ بموجبه مهمتكم مع تنحّي بشار الأسد ونظامه، لأنكم إذا دخلتم ببضاعة كوفي عنان فتأكدوا أن الباب الذي خرج منه لا يسعكما معا ولم تبق الآن غير النافذة التي لا أتمناها لشخصكم. فذهابكم لسوريا بحقيبة فيها بقايا عنان والدابي لن تعودوا منها إلا بخيبة، فالنظام الذي ولغ في الدم السوري إلى درجة تهشيم رؤوس الأطفال الرضّع وإعدام الأجنّة ببطون أمهاتهم، بدعم إيراني وفيتو مزدوج بين الصين وروسيا، لن يستجيب لكم أنتم أو غيركم فقبلته في طهران وليست وهران. كما أن الشعب السوري الذي ذبح ودمّرت ممتلكاته لا يمكنه أبدا أن يقبل بحوار في مائدة واحدة مع قتلة مهما كلفه الأمر مستقبلا لأنه لم يبق له ما سيخسره، فضعوا أنفسكم في مكان أي أب ستدركون حتما ألم الفراق ولوعة فقدان فلذات الأكباد وهم لا يزالون في مهدهم على تلك الطرق القذرة.
أيها المبعوث الأممي ما يحدث هي حرب إبادة ضد شعب كان أعزلا وعندما تخلى عنه العالم راح يدافع عن نفسه ومن حقه ذلك وفق القوانين والأعراف البشرية والديانات السماوية، وليست عبارة عن “حرب أهلية” كما وصفتموها فلا يوجد في هذه الحرب عبر التاريخ أن طرفا يستعمل الطيران الحربي ضد الأحياء المدنية حتى ولو تعسكر فيها مسلحون مخالفون، كما لا أعتقد أن من لديه نية سليمة يرفض مبادرة سلام تأتي من خلال البند السابع أو غيره، ولكن الذي يعرف أن النظام السوري يراوغ لربح الوقت ولا يلتزم وسيستعمل كل الوسائل للتنصل والهروب للأمام إلا إذا حلبتم في إناءه فقط. لست هنا لأناشدكم أو أرجوكم بل أنصحكم وأنتم جئتم من جزائر أنجبت الأمير عبدالقادر الذي لا يزال الشعب السوري يمجّد صداه في كل مكان، فالمجتمع الدولي وقف عاجزا ومتفرجا وخاذلا ومتواطئا لإعتبارات تعرفون خفاياها أكثر مني، فلا تجعلوا قميصكم تمسح فيه الآثام، فمهمتكم مستحيلة وليست شبه مستحيلة أو صعبة جدا لأن النزاع هو في نيويورك من حيث تنطلقون، بين القوى العظمى التي لم تستقر بعد على ما يخدم أجندات متناحرة. أما ما يواجهكم على أرض سوريا فهو الصراع القائم بين شعب يريد الحرية ونظام مستبدّ وفاسد لا يؤمن بالتغيير مطلقا، وأنتم تمثلون هيئة دولية ينخرها سوس الإستقطابات والمتاجرة بدماء الشعوب العربية والإسلامية، ونجاحكم سيتحقق صراحة إذا تمكنتم من إدخال وليد المعلم في سمّ الخياط. لقد إكتوى الشعب السوري من تجربة الدابي ثم تجربة عنان ولا أعتقد أنه سيسمح أو سيقبل بكيّ ثالث من طرفكم، وفي المقابل النظام السوري إستفاد من مهلة الدابي ثم مهلة عنان وترى هل تقبلون لأنفسكم أن تكونوا مجرد مهلة ثالثة سيستفيد منها النظام لقتل الأبرياء من الشعب السوري الذي صرحتم أنكم في خدمته؟ إن من يقتل شعبه بتلك الطريقة القذرة ويبيد الأحياء والقرى ويرتكب جرائم حرب وضد الإنسانية في وضح النهار، لا يمكن أن يخضع إلا لمنطق القوة، والشعب السوري أثبت ذلك فتحول عن بكرة أبيه إلى مقاوم لحماية أعراضه وأرواحه بأي وسيلة كانت. وبحكم التجربة ومتابعة الشأن السوري وتواصلي مع الناشطين في الداخل والخارج، اؤكد لكم أن القضية لا تحلّ إلا بمنطق القوة التي تبدأ في مقر مجلس الأمن بقرارات صارمة، وبها يتمّ إرساء دعائم العدالة الدولية وفرضها على الجميع، فلا يعقل أبدا برغم كل المواثيق أن يأتي طغاة يقتلون شعوبهم ويفلتون من العقاب بالمصالحة أو بأشياء أخرى ولأجل حسابات ومصالح الكبار.