الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
عرف الحكماء الكذب بأنه مخالفة الكلام للواقع، ولو شاءوا لأضافوا إلى كذب الأقوال كذب الأفعال، إذ لا فرق بين كذب الأقوال وكذب الأفعال في تضليل العقول، والعبث بالأهواء، وخذلان الحق واستعلاء الباطل عليه.
ولا شك في ان الكذب مصدر كل إثم وشر، وهو رذيلة الرذائل، فكأنه أصل والرذائل فروع له، بل هو الرذائل نفسها، وهو يأتي في أشكال وصور مختلفة، فالمنافق كاذب لأن لسانه ينطق بغير ما في قلبه، والمتكبر كاذب لأنه يدعي لنفسه منزلة غير منزلته، والفاسق كاذب لأنه كذب في دعوى الإيمان ونقض ما عاهد الله عليه، والنمام كاذب لأنه لم يتق الله في فتنه.
ان الكذب مآله الفضيحة والسقوط، وهو كفيل بنشر الفتن والشرور، ونزع الثقة بين الناس كافة، ولذلك حرمته الشريعة الإسلامية، وتوعدت الكذابين في الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب» (غافر/ 28).
وقال سبحانه: «ويل لكل أفاك أثيم» (الجاثية/ 7).
وقال صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، واذا اؤتمن خان».
ولعله من الأهمية بمكان ان نؤكد حقيقة، وهي ان الكذب إذا استشرى على لسان إنسان، أو أصبح جزءا من أفعاله، فلا يمكن على الإطلاق ان يتخلص منه إلا إذا شاء الله هداية الكذاب، وقد ذاق مرارة وآلام كذبه.
قال بعض الحكماء في كل من يستطيب الكذب: «من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه».