التجاوب القوي والإيجابي في سوق الأسهم السعودية مع أي خبر لرفع رأسمال أي شركة كانت وبأية طريقة كانت أمرا محيرا وظاهرة عجيبة ليس لها تفسير حقيقي ولا ترتكز على أي أساس علمي ولا عملي يبرر حدة الابتهاج الذي نراه في تصرفات المتداولين. ربما أهم خبر يبحث عنه كثير من المتداولين وتدور حوله الشائعات في المنتديات وفي أروقة الوسطاء هو خبر رفع رأس المال في الشركات، الذي متى ما حدث فهو عبارة عن مكافأة للمتداول لا تقل عن 10 في المائة خلال يوم أو يومين، وفي حالات شاهدناها واصل السهم الارتفاع بنسبة 10 في المائة لعدة أيام. وفي الآونة الأخيرة شاهدنا شركات على حافة الإفلاس قامت بخفض رؤوس أموالها وفورا رفعها بمبالغ تصل أحيانا إلى مقدار رأس المال الأصلي، وكان تجاوب أسهم تلك الشركات، كما هو متوقع، ارتفاعات ضارية وإغلاقات على النسب العليا. فما حقيقة رفع رأس المال، وهل هو بالفعل خبر إيجابي يستحق مخاطرة المتداول برأسماله، وهل له أسس اقتصادية ومنفعة للشركة؟
ربما أسهل جواب عما إذا كانت مثل هذه الأخبار تستحق المخاطرة بأموال المتداول أم لا، هو أنه طالما أنها تحقق نتائج إيجابية لمصلحة سعر السهم فهي إذا تستحق المخاطرة! لكن قد لا يكون ذلك دائما صحيحا وقد لا تسلم الجرة في كل مرة. أولا أشير إلى أن رفع رأس المال يأتي بعدة أشكال منها إدراج أسهم الشركة في السوق عن طريق طرح أسهم للاكتتاب العام، حيث يتم أحيانا ضخ سيولة جديدة في الشركة إن لم تذهب متحصلات الاكتتاب للبائعين من مؤسسي الشركة. وهذا النوع لا يعنينا هنا، حيث إن التركيز في هذا المقال على نوعين من أنواع رفع رأس المال، الأول رفع رأس المال بالتحويل من احتياطيات الشركة إلى بند رأس المال، والآخر طرح أسهم حقوق أولوية الذي من خلاله تقوم الشركة بتحديد سعر معين للسهم الجديد ويقوم الناس بالشراء ومن ثم تدخل متحصلات الطرح إلى الشركة.
وعلى الرغم من أن النوع الأول عبارة عن مناقلة محاسبية محضة، إلا أن المتداولين يفرطون في التفاؤل وتفسير الخبر، الذي ليس له في الواقع فائدة مالية حقيقية. صحيح أن رفع رأس المال بهذه الطريقة يؤدي إلى خفض سعر السهم في السوق فيجعله في متناول الجميع، وينتج عنه ازدياد في عدد الأسهم، ما يؤدي إلى زيادة في سيولة السهم اليومية وزيادة في عمق مستويات العرض والطلب. وصحيح أن رفع رأس المال بهذه الطريقة كذلك يؤدي إلى تحسين وضع الشركة المالي أمام المقرضين، بحكم أن رأسمالها أكبر من ذي قبل، لكن في المقابل نجد أن التحويل من الاحتياطيات تضطر الشركة معه إلى القيام بتحويل 10 في المائة من ها المستقبلية السنوية لترفع من رصيد الاحتياطي النظامي لديها ليصل إلى 50 في المائة من رأس المال الجديد، ما يؤثر في مقدار ال التي تستطيع الشركة دفعها للملاك مستقبلا. كما أن رأس المال الكبير يجبر الشركة على دفع كبيرة، لأن نظام الشركات يشترط على الشركة ألا يقل توزيع ال عن 5 في المائة من رأس المال، متى قامت الشركة بتوزيع بعض من ها. إذا نجد أن المبالغة في استقبال مثل هذا الخبر ليس بالضرورة مبنيا على أسس سليمة، ولا يخلو من الفهم الخاطئ لدى البعض بأن هذه العملية تمنحه أسهما إضافية مجانية.
وبينما قد تحتوي عملية التحويل من الاحتياطي على بعض الجوانب الإيجابية، نجد أن ابتهاج المتداولين لا يقل حدة عندما ترغب الشركة في أخذ المزيد من أموالهم عن طريق طرح أسهم إضافية! هنا تعلن الشركة، التي غالبا ما تكون تحت ضغوط مالية وتحديات كبيرة، أنها ستقوم بطرح أسهم جديدة للحصول على أموال إضافية قد تستفيد منها في تسديد ديون لديها أو إطفاء خسائر متحققة، أو في أفضل الحالات لاستخدامها في مشاريع جديدة لا يعرف المتداولون عنها شيئا ولا عن مقدار المخاطرة المتعلقة بها. أعلنت إحدى شركات التأمين أخيرا أنها سترفع رأسمالها بتمويل من المساهمين فقفز سعر السهم إلى النسبة القصوى على الفور، وكأن الشركة أعلنت أنها ستمنح المساهمين أموالا من عندها.
على ما يبدو، ومن خلال رصد لهذه العمليات خلال السنوات الماضية، اتضح أن المتداولين لا يسألون عن حقيقة رفع رأس المال ولا أسباب القيام به، وهل الشركة ستستفيد من المال الجديد بشكل يغير من واقعها المرير، أم أن الهدف من ذلك هو مجرد أنها طريقة سهلة للشركات للحصول على التمويل المطلوب بأقل تكلفة مع تحقيق ارتفاعات شاهقة في أسعار أسهمها جراء ذلك؟ كتبت في عام 2006 عن ظاهرة رفع رأس المال، وذكرت عددا من المشاهدات التي لا أزال أعتقد أنها موجودة ولم يتغير شيء بخصوصها، ومنها أن هناك تسربات لأخبار رفع رأس المال، وهناك من يشتري قبيل صدور الخبر الرسمي بوقت كاف، وإن كثيرا من المتداولين لا يقومون بتفسير الخبر، بل يقومون بالشراء على الفور، وإنه في كثير من الحالات يبدأ سعر السهم بالهبوط الفعلي بعد انتهاء تاريخ الأحقية، وأن هناك حالات مبهمة يشوبها عدم وضوح في هدف الشركة من رفع رأس المال، وتناسب مقدار المال المطلوب مع رأسمال الشركة والأسس التي اتبعتها الجهة المعنية في الموافقة على المبلغ المطلوب، وأخيرا نوهت بأهمية الحاجة إلى تثقيف المتداولين، بحيث يعلم المتداول ما له وما عليه ويعرف بالضبط ما يعنيه رفع رأس المال