بعد أكثر من عام ونصف العام قضاها في محبسه بسجن طرة في القاهرة، خرج طلعت القواس، عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني «المنحل»، بعد أن نال حكما بالبراءة في قضية قتل المتظاهرين بميدان التحرير يومي 2 و3 فبراير (شباط) 2011، والمعروفة إعلاميا بـ«موقعة الجمل»، حاملا معه مرارات السجن الذي وصف أيامه بـ«القاسية»، وأسرارا عما دار بين أكبر مسؤولين في نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة 25 يناير (كانون الثاني).
«الشرق الأوسط» أجرت حوارا مع القواس، الذي أخلي سبيله يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فور خرجه من السجن عبر الهاتف.
وقال النائب السابق إنه فوجئ بجرأة هيئة المحكمة في اتخاذ هذا الحكم، رغم كل ما يحيط بها من ضغوط، ورغم قناعته التامة ببراءته، مشيرا إلى أن هذه القضية «كيدية وعبارة عن شكاوى مزورة من خصوم سياسيين».
وقد وُجهت للقواس ومن معه من رموز النظام السابق؛ وفي مقدمتهم فتحي سرور وصفوت الشريف رئيسا مجلسي الشعب والشورى «المنحلين»، وعائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة سابقا، أربع تهم في القضية، هي التحريض على قتل المتظاهرين، والاعتداء عليهم، وتكوين جماعات إجرامية لتفريق المتظاهرين من ميدان التحرير، وتكدير السلم العام وترويع المواطنين.
لكن القواس أكد أنه، وفقا لشهادات الشهود، لم يكن هناك قتلى أو شهداء أثناء الأحداث، وأن المسؤول عن موقعة الجمل «عناصر أجنبية من حماس وحزب الله بمشاركة جماعة الإخوان المسلمين».
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بالبراءة إنها لم تطمئن لأقوال الشهود في الدعوى، حيث جاءت جميعها سماعية ووليدة أحقاد بين المتهمين والشهود نتيجة خلافات حزبية وبسبب الانتخابات البرلمانية. وأضافت المحكمة أن «بعض الشهود كانوا من (المسجلين خطر) وفقا لصحيفة الحالة الجنائية الخاصة بهم»، مشيرة إلى أن «الدعوى خلت من أي شاهد رؤية واحد تطمئن إليه المحكمة».
وفي حواره، كشف القواس عن أسرار وكواليس حبس رموز النظام السابق في سجن طرة، نافيا أي معاملة تمييزية له أو لأي من الوزراء والمسؤولين السابقين، وقال «على العكس من ذلك هناك تفتيش دوري وشبه يومي»، كما أشار إلى واقعة مصادرة المسؤولين في السجون لتليفونات جوالة من النائب السابق رجب هلال حميدة ووزير الإعلام الأسبق أنس الفقي.
وأكد القواس أن معظم رجال النظام السابق ندموا على أخطائهم، وشعروا بسلبياتهم، مشيرا إلى أن أسوأ مشهد رآه كان عند النطق بالحكم على بعض الشخصيات الكبرى، حيث كان يبدو عليهم وجوم وذهول وتوهان وإحساس بالندم. وأضاف «جميع المسؤولين السابقين كانوا يصلون فرضا بفرض.. والميزة الوحيدة التي رأيتها هناك أن الكل لجأوا إلى الله كي ينجيهم».
ودعا القواس إلى ضرورة إنهاء عصر تصفية الحسابات، وبدء مصالحة مجتمعية، مع التمسك بملاحقة الفاسدين. وفي ما يلي أهم ما جاء بالحوار:
* بدا من خلال واقع الأحداث والتطورات التي تلت ذلك أنكم مدانون لا محالة في القضية، قبل أن تحدث المفاجأة وتقضي المحكمة ببراءة جميع المتهمين.. فهل كنت على يقين من البراءة أم أنك فوجئت بها مثل الجميع؟
- في البداية أؤكد أن ثقتي في القضاء المصري ليست لها حدود، ورغم أنني كنت على يقين من حصولي على البراءة منذ البداية، وأنني لم أحرض أحدا، فإن ما تفاجأنا به هو جرأة هيئة المحكمة في اتخاذ هذا الحكم، رغم كل ما يحيط بها من ضغوط. وهذا يؤكد أنه كانت هناك قناعة تامة لدى هيئة المحكمة وبالإجماع بأن هذه القضية كيدية، وأنها عبارة عن شكاوى مزورة من الخصوم السياسيين.. هذه هي المفاجأة. لكن على المستوى الشخصي فأنا كنت على يقين، وثقتي بالله أولا أنني كنت سأحصل على البراءة، خاصة أن أحراز القضية لم يكن بها أي دليل مادي، سواء كان سلاحا أبيض أو طلقا ناريا، أو غير ذلك، أو أي شيء يدل على وجود جريمة. إضافة إلى ذلك فإنه لا يوجد قتلى أو شهداء أثناء الأحداث ما عرف بموقعة الجمل، نهائيا، وفقا لشهادة الشهود.
* لكن الجميع شاهدوا اعتداء على المتظاهرين في التحرير، من المسؤول عنه إذن، ألا يوجد متهمون في القضية؟
- جميع الشهود أكدوا أنه كانت هناك عناصر أجنبية نسقت مع عناصر داخلية في مصر للقيام بهذه الأحداث المؤسفة، وفي أكثر من مكان، ليس في ميدان التحرير فقط. ونقلا عن شهادة اللواء أركان حرب حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية العسكرية السابق عضو المجلس العسكري الحاكم آنذاك، وغيره ممن شهدوا أمام المحكمة، فإن هناك عناصر تم القبض عليها من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وجماعة الإخوان المسلمين، وهذه العناصر مجتمعة قامت بهذا الأمر. وهذه المعلومات مؤكدة لدى الجهات السيادية، ولذلك فإنني تساءلت في المحكمة: لماذا تم إخفاء هذه المعلومات؟
* هل تدعي أن جماعة الإخوان المسلمين قامت باختراع هذه الموقعة والاعتداء على المتظاهرين في التحرير، كما زعم البعض، من أجل التخلص من النظام بعد خطاب الرئيس السابق حسني مبارك الذي تعاطف معه الشعب؟
- هم مشاركون.. وهذا ليس كلامي بل كلام الشهود في المحكمة.. ومنهم اللواء الرويني وطارق زيدان أحد شباب الثورة في الميدان.
* وأين أنت من موقع الأحداث آنذاك؟
- أنا لم أعلم أي شيء عن موقعة «الجمل» على الإطلاق.. ولم أكن في موقع الأحداث أصلا.
* من الذي زج بك في هذه القضية إذا كنت تصر على عدم صلتك بالأحداث لا من قريب ولا من بعيد؟
- المنافسون السياسيون لنا، وهم جماعة الإخوان وبالأسماء.
* الآن تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من أجل جمع أدلة جديدة حول الموقعة والبحث عن المدانين الحقيقيين، كما أن النائب العام قد طعن في الحكم.. فهل تتوقع أن تتم إدانتك هذه المرة، في ظل هذا الحشد لجمع الأدلة، وعدم اقتناع الكثيرين بحكم البراءة؟
- نحن الآن نعيش فترة ضبابية.. كاذب من يقول إنه يعرف ما يحدث أو سيحدث.. في الحقيقة هناك صراعات لتصفية الحسابات، ولا أعلم ماذا سيكون تأثيرها على الأحداث في المستقبل. لكني أتمنى أن تقوم لجنة تقصي الحقائق بالإتيان بكل الأدلة والشهود، وأن تقدم كل ما لديها من معلومات حقيقية، لأنني على ثقة من براءتي بشكل واضح، بل أؤكد على احتياجنا لذلك حتى يظهر الفاعلون الحقيقيون.
* خلال فترة حبسك التي امتدت لأكثر من عام ونصف العام.. هل كنت تُعامل أنت ومن معك من الوزراء والمسؤولين السابقين أي مُعاملة تمييزية.. البعض كان يتشكك في أنه سجن حقيقي أصلا؟
- هذه صورة خادعة، وهذا الأسلوب يدمر البلد.. لم تكن هناك أي معاملة تمييزية من أي نوع لنا أو لأي شخص. وحتى ما اعتقده البعض بأن بعض الضباط يؤدون التحية العسكرية لجمال مبارك أو حبيب العادلي أمر كذب، فقد صدف فقط أثناء مرورهم وجود لواء حال أدى له الجنود التحية فالتقطتها الكاميرات على أنها لهؤلاء المتهمين. وأؤكد أنه على العكس من ذلك هناك تفتيش دوري وشبه يومي، وزيارات محددة للمساجين قلصها وزير الداخلية الجديد من ساعتين إلى ساعة واحدة.
* لكن هناك من تحدث عن أنكم تملكون داخل السجن أجهزة كومبيوتر جوالة أو هواتف جوالة؟
- هذا كلام غير صحيح إطلاقا.. لا أجهزة كمبيوتر ولا تليفونات.. المرة الوحيدة التي حدث فيها هذا هي ضبط هاتف جوال مع النائب السابق رجب هلال حميدة، وآخر مع وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي، وتمت مصادرتهما. وللعلم كل المسؤولين في السجون حساسون جدا وخائفون من أي مخالفة.. ليس كرها فينا، بل الكل كان خائفا من المسؤولية.
* هل لدى رجال النظام السابق المحبوسين حاليا إحساس بـ«المرارة» أو الندم على ما حدث؟
- كل واحد بمرور الوقت كان ينفرد بنفسه، وكل منهم شعر بإيجابياته وسلبياته وظلمه.. وهناك بعض الأشخاص أمثال جمال مبارك (نجل الرئيس السابق) وأحمد عز (رجل الأعمال) وصفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى السابق)، أدركوا أنهم كانوا السبب فيما آلت إليه الأمور في البلاد، وأبدوا ندمهم، رغم أنهم لم يعلنوا ذلك بشكل واضح، لكنه ظهر عليهم واستشعرناه من حديثهم. داخل السجن أجمعنا جميعا على أن قصة إقصاء جماعة الإخوان المسلمين من البرلمان السابق قبل الثورة كانت أكبر خطأ. كان هناك إجماع على أن أحمد عز، ووزير الداخلية حبيب العادلي أخطآ بشأن ما حدث في انتخابات 2010.. وأن وجود 88 نائبا معارضا مثل البرلمان الذي سبقه لم يكن سيؤثر على شيء.. ما هي قيمة الحزب الوطني في الحكم من دون المعارضة؟ البرلمان الأخير قبل الثورة «كان شكله وحش»، واعترضنا عليه.. كنا نحتاج إلى من يعارضنا ومن يحاورنا لا من يقول نعم وحاضر طوال الوقت. أيضا قصة التوريث تأكدت لدينا من خلال المناقشات في الداخل.. وهناك بعض الأشخاص المقربين من دائرة الرئاسة كانت لديهم مصلحة في توريث الحكم لجمال مبارك من دون رغبة الرئيس.
* ما أصعب مشهد رأيته داخل محبسك؟
- أسوأ مشهد كان باستمرار رؤية رموز النظام السابق عند النطق بالحكم في قضاياهم. هذا المشهد تكرر مع أحمد عز وزكريا عزمي. كان موقفا صعب جدا، أقل ما كنا نقوله عنه سبحان المعز المذل. كان يبدو عليهم وجوم وذهول وتوهان وإحساس بالندم. جميع المسؤولين السابقين كانوا يصلون فرضا بفرض. الميزة الوحيدة التي رأيتها هناك أن الكل لجأوا إلى الله لكي ينجيهم.. والكل موجود دائما في المسجد. التجربة قاسية جدا، لكن فيها الظالم والمظلوم.
* كيف رأيتم من داخل السجن البرلمان الأخير وسيطرة الإسلاميين عليه.. وما هو انطباع رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور؟
- البرلمان شكله مؤسف.. وغير عملي.. وكله تصفية حسابات.. ناس ليست لديها خبرة سياسية نهائيا.
* ما هي انطباعاتك عن الثورة.. وما حققته حتى الآن؟
- أنا مؤمن بأننا بالفعل كنا نحتاج إلى الثورة منذ 5 سنوات.. وفي أول ثلاثة أيام كانت الثورة مبهرة وحضارية.. قبل أن ينقلب الحال بسيطرة «الإخوان» عليها وظهور فصيل السلفيين والعناصر الأجنبية الذين سيطروا على الشباب وجنبوهم وقادوا بعد ذلك المسيرة.. واستفادوا من نجاح هؤلاء الشاب ثم أقصوهم بالكامل.
* كنت نائبا محبوبا في دائرتك قبل دخولك الحزب الوطني (المنحل).. فهل أنت نادم على انتمائك لهذا الحزب؟
- لا لست نادما.. فالحزب الوطني كانت به كوادر وكفاءات عظيمة جدا.. ليس معنى أن هناك 10 أو 50 فاسدا أن يكون الكل كذلك، لكنه كان تنظيما غير عادي وله رؤية.. لكن سلبيات خاصة في المرحلة الأخيرة كانت قاتلة بسبب القرار الفردي، خاصة من جانب أحمد عز الذي جاء وقت كان متحكما فيه بشكل كامل. وهذه السلبيات والفساد موجود منذ بداية الخليقة، قد يكون بدأ يتصاعد وتتسع مساحة الفساد في الفترة الأخيرة لأيام مبارك.
* هل تنوي خوض الانتخابات البرلمانية القادمة؟
- لا أعتقد ذلك.
* وكيف ستتعامل في ظل حكم «الإخوان»؟
- لا يعنيني إذا كان «الإخوان» أو غيرهم في الحكم، أو من يجلس على الكرسي، أنا رجل أعمال عملت أيام عبد الناصر والسادات ومبارك.. أمشي حسب الأنظمة والقوانين المعمول بها.
* كيف ترى السبيل للخروج من الأزمات التي تعيشها مصر حاليا بعد الثورة؟
- أتمنى أن تهدأ كل الأمور الآن.. وألا يصبح هذا العصر عصرا لتصفية الحسابات. المطلوب هو أن يكون هناك عصر مصالحة مجتمعية مع التمسك بمتابعة الفساد. لأن الفساد لا يقتصر على من هم في السجون حاليا، بل هناك المئات والمئات. ويجب أن تكون محاكمة الفساد السابق بهدوء ومن دون شوشرة حتى لا نخيف المستثمرين، وحتى نتحقق من الأمر بحيث لا يكون هناك تشهير من دون قضية. وليعلم الجميع أن البلد على شفا حفرة، ونحن داخلون على منعطف خطير جدا إذا استمر هذا الوضع.