بعد أيام من الترقب صدرت ميزانية المملكة العربية السعودية والتي أقل ما وصفت به بأنها قياسية بفضل من الله حيث بلغت الف ومائة وعشر مليارات ريال سعودي. ويتضح من الميزانية أن هناك تركيزا على الإنفاق على قطاع الصحة والتعليم، ورغم أن الإنفاق مهم على التوسعات ولكن الأهم هو الإنفاق على جودة وتطوير الخدمات حيث إن هذا ما سيساهم في رفاه المواطن وفي الاستغلال الأمثل لهذه الموارد. ورغم فرحة الجميع بهذه الميزانية الا أن المواطن ما زال يبحث عن فائدة مباشرة مثل زيادة الرواتب. الكثير سيسأل لماذا لم يتم زيادة الرواتب على غرار الدول المجاورة، حيث زادت دولة قطر الرواتب بنسبة 100 في المائة وقبل ايام فعلت دولة الإمارات نفس الشيء، وكان الأمل ان يتم زيادتها مع صدور الميزانية الجديدة. ولكن هل زيادة الرواتب بطريقة مباشرة هي الحل لمشكلاتنا، وهل هي الطريقة الوحيدة لزيادة دخل المواطن؟
أعتقد أن زيادة الرواتب بنسبة عالية هو حل مؤقت وسيضر بالأجيال القادمة وسينتج عنه شعب مترف اتكالي غير منتج يحتقر كل الأعمال الفنية الدنيا. أما عدم زيادة راتب المواطن فإن فيه اجحاف في حق المواطن مع زيادة أعباء الحياة وخصوصاً في بلد غني، فلا نريد أن نصبح مثل الاب الغني الذي يبذخ على اولاده الى أن أوصلهم الى حياة الترف واللامبالاة ولا أن نكون مثل الأب البخيل الذي يعلم أولاده ما يملك ومع ذلك يقتر عليهم.
اذاً ما الحل؟ الحل يكون في توفير الأساسيات للمواطن وللاقتصاد، وهي: تعليم حكومي ينافس الأهلي، توفير مسكن ملائم، خدمات صحية متاحة للجميع بدون انتظار مواعيد بالأشهر، زيادة منطقية في الراتب، توطين الصناعات وخلق تنمية اقتصادية توفر وظائف للخريجين، ابتعاث الخريجين وتدريبهم للدخول في سوق العمل، مساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وحيث إن زيادة رواتب الدولة بمقدار 30% ستكلف الدولة 55 مليار سنوياً، ولن يستفيد منها المواطن نتيجة التضخم الذي سينتج بسببها، فالأفضل استخدام هذه الأموال لتطوير المشاريع اعلاه ليستفيد الجميع وتكون الفائدة على المدى الطويل وبأقل من تكلفة زيادة الرواتب، كما انها ستؤدي نفس الغرض. وبهذه الطريقة نكون قد ساهمنا في زيادة دخل المواطن بطريقة غير مباشرة وأصبح لدينا مواطن مرفه بطريقة صحيحة ومُنتِج يفيد نفسه ويستفيد منه الوطن. أما من أراد ان يزداد من المواطنين فإن سوق العمل الحر مفتوح.
ولكن ومهما بلغت الميزانية من مستويات قياسية، فإن المواطن والوطن لن يستفيد منها ان استمر رفيق دربنا معنا وهو الفساد، وسينخر فيها بكل ما أوتي من قوة الى أن نصل الى مرحلة تكون فيها ميزانية الخير ما فيها خير، لذا القضاء عليه واجب وطني على كل مواطن ومسئول، وغض البصر عنه او التهاون معه سيكون خيانة لهذا البلد ولأهله.
نحن نعيش هذه السنوات سنوات خير، إن لم نقضِ على الفساد ونستثمر هذه الأموال بالطريقة الصحيحة ونطور هذه البلد فإننا سنحكم على أنفسنا بالفشل في السنين القادمة عندما تصلنا السنين العجاف.