قابلت صديقاً لي فوجدته ضيق الصدر كأن به علة في جسده أو هماً في قلبه؛ فسألته أن يكشف لي أمره، فتأبى ساعة وتردد ثم قال لي: أنت الصديق لا يكتم عنه، وأنى مطلعك على سري، ومستشيرك فيه أني أريد الزواج.
قلت: وما فعلت ربة دارك وأم أولادك؟
قال: هي على حالها.
قلت: وهل أنكرت شيئاً من خلقها أو من دينها أو من طاعتها لك وميلها إليك؟
قال: لا والله.
قلت: فلم إذن؟
قال: إني رجل أحب العصمة وأكره الفجور، وقد ألفت زوجتي حتى ما أجد فيها ما يقنع نفسي عن أن تميل إلى غيرها، وبصري عن أن يشرد إلى سواها، وأطلت عشرتها حتى مللتها وذهبت في عيني فتنتها.
قلت: ما أقبح والله ما جزيتها به عن صحبتها وإخلاصها وما أعجب أمرك تسمع صوت النفس وأن تظنه صوت العقل، وتتبع طريق الهوى وأنت تحسبه سبيل الصلاح، وهذا تلبيس إبليس أو من وساوسه.
وهل تحسب أن المرأة الجديدة تقنعك وتغنيك إن أنت لم تقهر نفسك وتزجرها؟ إن الجديدة تمر عليها الأيام فتصير قديمة، وتطول ألفتها فتصير مملولة، وتستقري جمالها فلا تجد فيها جمالاً فتطلب ثالثة، والثالثة تجر إلى الرابعة، ولو أنك تزوجت مئة، ولو أنك قضيت العمر في زواج لوجدت نفسك تطلب امرأة أخرى.
وهل يمضى زوج عمره في تقبيل وعناق؟ إن لذلك لحظات؟ وباقي العمر تعاون على الحياة وتبادل في الرأي وسعي للطعام واللباس وتربية للولد.. واسترجاع الماضي وإعداد للمستقبل.
وهل تظنك تسعد بين زوجتين وتعرف إن جمعتها ما طعم الراحة؟ وهل تحسب أن ولدك يبقى معك وقد عاديت أمه وصادقت غريبة جئت بها تشاركها مالها ودارها وزوجها؟ فهل يرضيك أن تثير في أسرتك حرباً تكون أنت أول ضحاياها. كلا يا صاحبي لقد تغير الزمان، وحكم الله في التعدد باق أبداً ولكنه مباح؟ ليس واجباً أو مندوباً.. فعليك بزوجك عد إليها وانظر إخلاصها لا تنظر إلى وجهها ولا إلى جسمها فإني قرأت كتباً في تعريف الجمال كثيرة فلم أجد أصدق من تعريف طاغور "إن الجمال هو الإخلاص" ولو أن ملكة الجمال خانتك وغدرت بك لرأيتها قبيحة في عينك، ولو أخلصت لك زنجية سوداء كأن وجهها حذاء السهرة اللماع لرأيتها ملكة الجمال.
وثق أن ما حدثتني به سيبقى سراً بيننا ولا أفشيه أبداً ولا اطلع عليه أحداً.
وهل سمعت أديباً (أفشى) سراً !!؟ هذا ما كتبه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ، فما رأيكم بما كتب؟