معلومة للفائدة... وهي سنة مؤكدة على الموسر عند الجمهور، وذهب بعض أهل العلم – الأحناف ورواية عن أحمد - إلى أنها واجبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبلُ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" [خرجه البخاري عن البراء بن مالك رضي الله عنه].
ويشترط في الأضحية السلامة من العيوب سيما الأربعة التي وردت في حديث البـراء: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقي" [النسائي].
ولا تجزئ العمياء والكسيرة، وما دون ذلك مختلفٌ فيه، قال عبيد بن فيروز: قلت للبراء: "فإني أكره النقص في القرن ومن الذنب؟ فقال: اكره لنفسك ما شئت وإياك أن تضيِّق على الناس".
ولا يجزئ فيها إلا الجَذَع من الضأن، وهو ما أكمل ستة أشهر – وقيل سبعة - فأكثر، والثنيُّ من غير الضأن: من الإبل ما أكمل خمس سنين، ومن البقر ما أكمل سنتين، ومن الماعز ما أكمل سنة ودخل في الثانية؛ والبدنة والبقرة تجزئ عن سبعة في أحد قولي العلماء، وهو الراجح وفيه تيسير على الناس، خاصة في هذه السنة التي غلت فيها أسعار الخراف.
وهي سنة للرجال والنساء ، والعبيد والأحرار، سواء كانوا مقيمين أم مسافرين، متزوجين أم غير متزوجين، إلا على الحجاج ولو كانوا من أهل مكة ومنى، وأضحية الرجل تجزئ عنه وعن أهل بيته، وإن كان من المعددين غير المقتدرين، ولا يشترط لها نصاب.
والأضحية يأكل منها صاحبها، ويهدي، ويتصدق على اخوانه المسلمين دون الكفار والمشركين، ويدخر، إلا إذا كانت هناك جائحة فلا يدخر منها شيء أكثر من ثلاثة أيام.
هذه العبادة التي شرعها الإسلام على الموسرين والمستطيعين من المسلمين أصبح يتكلَّفها كثير من غير المستطيعين، ويترك من أجلها أموراً قد تكون واجبة، ومن الناس من يستدين لذلك، ومن لم يجد إلى ذبحها سبيلاً تحرَّج من ذلك، وتحولت من عبادة شرعية تقوم على الاستطاعة، إلى عادة اجتماعية يحرص عليها بعض تاركي الصلاة والمتهاونين فيها مثلاً، والمقصرين في كثير من الواجبات الأخرى ، سواء كانوا مستطيعين لها أم لا.
هذا المسلك مخالف ومغاير لما كان عليه السلف الصالح، بل الأئمة الكبـار والعلمـاء الأخيار، حيث كان بعضهم لا يضحِّي وهو من القادرين عليها خشية أن يعتقد البعض أنها واجبة، ويعلن ذلك على الملأ من غير خجل ولا وجل، حدث ذلك من عدد من كبار الصحابة، بل من بعض الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وغيرهم، كأبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وبلال، وابن عباس، وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم أجمعين.
روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى [ج1 / 264 – 266 ]. عدداً من الآثار تدل على ما ذكرنا، وهي:
• قال الشافعي رحمه الله: "وبلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحِّيان كراهة أن يُقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة"، يعني في بعض السنين.
• وعن أبي سريحـة الغفـاري ـ وهو حذيفة بن أسيـد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قـال: "أدركت، أورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحِّيان ـ في بعض حديثهما كراهية أن يقتدى بهما".
• وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أن ابن عباس: كان إذا حضر الأضحى أعطى مولى لـه درهمين فقال: اشتر بهما لحمـاً، وأخبر النـاس أنه أضحيـة ابن عباس.
• وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: "إني لأدع الأضحية وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتمٌ عليّ".
• وعنه أي أبي مسعود البدري قال: "لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن تحسب النفس أنها عليها حتمٌ واجبٌ".
وقال النووي رحمه الله: (وصحَّ عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها)[ المجموع ج8/ 386.].
وقد علل النووي رحمه الله ترك الشيخين – أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - للأضحية في بعض السنين بفقرهما ، فقد كانا من فقراء المسلمين.
قلت: لو صح هذا في بعض السنين فقد ثبت كذلك أنهما كانا يتركانها عن مقدرة، كي لا يعتقد الناس وجوبها وكي لا يحرجوا الفقراء .
ومن السلف من رأى التصدق على المحتاجين أفضل من الأضحية منهم:
• روى عن بلال رضي الله عنه أنه قال: ما أبالي أن لا أضحي إلا بديك، ولأن أضعه – أي ثمنها - في فيْ – أي فم - يتيم قد تُرِب فوه أحبُّ إليَّ من أن أضحي".
• وقالت عائشة رضي الله عنها: "لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفـاً".
• وقال مالك: الصدقة بثمن الأضحية أحب إليّ، وقال مرة: الأضحية أفضل من الصدقة.
• لا شك أن الأضحية أفضل من الصدقة في يوم عيد الأضحى، فإن لكل مقام مقالاً، والأعمال تختلف باختلاف الأوقات، وما قالته عائشة و بلال ربما كان لجائحة أولشدة عمت المدينة ، وإلا فإن الأضحية سنة. وقال ابن قدامة: قول عائشة هذا في الهدي.
ومن أهل العلم من قال بوجوبها، كأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه.
والأضحية يمكن أن تسد مسدَّ الصدقة، بحيث يتصدق بجميعها ، كما له أن يقسمها أثلاثاً: يأكل ويهدي ويدخر، خاصة وقد ورد في فضلها عدد من الآثار.
منها ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبُّ إلى الله من إراقة الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها، وأظلافها، وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً" [سنن ابن ماجة كتاب الأضاحي باب ثواب الأضحية رقم [3126]].
قلت: الحسنة بين سيئتين ، والأضحية للموسر ممن لا يُقتدى به أفضل من الصدقة، بل هي سنة مؤكدة، وإنما تركها الذين تركوها من أئمة الهدى في بعض السنين لأنهم مقتدىً بهم وأرادوا ألا يحرجوا الناس ويضيقوا عليهم خاصة غير القادرين؛ فالذين يتكلفون ويستدينون ويتركون كثيراً من الواجبات عليهم ليضحُّوا خوفاً من المجتمع وجزعاً من ضغطه ولومه مُفْرِطون، والموسرون ـ من غير المقتدى بهم ـ الذين لا يضحُّون مفرِّطون.
اعلم أخي الحبيب أن الحرج كل الحرج، والضيق غاية الضيق، في ترك الأوامر الشرعية والسنن المرعية، وأن المعروف ما عرفه الشرع، والمنكر ما أنكره، واحذر كل الحذر من أن تنساق وراء التقاليد والأعراف الاجتماعية، خاصة المخالفة للشرع، وأن تكون عبداً ولها أسيراً لما تقوله العامة، فقد جاء في الأثر: "لا يكن أحدكم إمَّعةً يقول إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم فإنه لا أسوة في الشر".
وإنه لن يشادَّ هذا الدين أحدٌ إلا غلبه، وعليك أن تبدأ بالأهم ثم المهم، فلا يحل لأحد أن يتشاغل بسنة أومندوب ويترك الفروض، فإن فعل ذلك فإنه سيكون مأزوراً غير مأجور. وعليه فمن كان موسراً فليضح، ومن كان فقيراً فلا حرج عليه في ترك الأضحية، عريساً كان أو غير عريس، لغلاء الأنعام خاصة الخراف، ولا يحل له أن يتكلف أو يقترض لها، وعلى بعض الذين يقتدى بهم الناس، سيما في هذا العام أن يتركوا الأضحية مواساة للفقراء ورفعاً للحرج عنهم، وللجميع إن شاء الله الأجر والثواب ما صدقت النية وقصد الاتباع.
واللهَ أسألُ لي ولكم الفقه في الدين، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والاعتصام بسنة من بُعث رحمة للعالمين، والاقتداء بسيرة السلف الصالحين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. http://www.islamadvice.com/fullstory.php?id=82