ويقول أيضاً :
ياقومِ أذني لبعض الحي عاشقةٌ *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
ويقول آخر :
يامن يذكرني بعهد أحبتي *** طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته *** إن الحديث عن الحبيب حبيب
ملأ الضلوع وفاض عن جنباته *** قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
مازال يخفق ضاربا بجناحه *** يا ليت شعري هل تطير قلوب
وهكذا العشق يفعل، إن تمكن من القلب أصاب صاحبه بمقتل، وجلب له العطب،
مارد لا يهاود، يعاود ويراود. فإن تصبرت تمكن،
وإن جاريته كان أمكن. مرض وأي مرض.
لا تنفع مع الساقط بين براثنه وقاية،
ولا يرده عن ذلك حسن دراية. امتلأت الكتب بأنين ضحاياه ،
وأغرقت الثقافات بعظيم بلاياه .. نثرت في ثناياه أنات الدموع،
و انفضح منهم كل موجوع، حتى وصم بعضهم بالجنون،
وسمي رائدهم بالمجنون.
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم : العشق أعظم مما بالمجانبن .
وقصة الأصمعي مع ذلك العاشق معروفة،
حين وجد مكتوبا على صخرة :
أيا معشر العشاق بالله خبروا *** إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتب تحته :
يداري هواه ثم يكتم ســـــره *** ويخشع في كل الأمور ويخضع
فوجد مكتوبا تحته في اليوم التالي :
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى *** وفـــــي كل يوم قلبه يتقطــــــــع
فكتب تحته :
إذا لم يجد صبرا لكتمان سره *** فليـــس له شيء سوى الموت ينفع
يقول الاصمعي : فعدت في اليوم الثالث,
فوجدت شاباً ملقى تحت الحجر ميتا ,
ومكتوب تحته :
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغـــــــــــــوا *** سلامي إلى من كان بالوصل يمنـــع
هنيـــــئا لأرباب النعيم نعيمــــــــهم *** وللعاشق المسكيــــــــــن ما يتجرع
مع أني أشك في صحة القصة.
إلا أنها تلقي الضوء على زاوية مهمة من العشق،
وآلامه وأهواله. وفيها عصارة لتجارب بعض من وقع في هوته السحيقة،
ثم لم يعد بسلام.
يقول الشاعر :
إذا أنتَ لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى *** فَكُنْ حجراً من يابس الصخر جلمدا
ولا يُسَلَّم للشاعر قوله.
لأن العشق داء عضال يفتك بالمرء.
فيضيع معه الوقت, ولربما ساق صاحبه إلى الموت.
يقع فيه الناس شيبهم و شبابهم، متزوجهم وأعزبهم.
يسقط فيه أشد الرجال،
فكيف الحال مع ربّات الحجال؟
به يُرى الحسن قبيحا، والقبيح حسنا..
فحبك للشيء يعمي ويصم .
ولئن زينوا القول و قالوا : أنه يهذب النفس ويسمو بها ، و لئن كان في قولهم ما يشهد له؛ إلا أن به ما به، وما له فعليه ..
فإياك والولوج فيما يصعب منه الخروج،
و درهم وقاية خير من قنطار علاج.
فر منه فرارك من الأسد. وقد أعذر من أنذر !!
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ