عدت لأكون إنسانا .. شيء من صخب الحياة سلبني ما أملك ، لم أعلم عن ذلك سابقا حتى وجدت شيئا من روحي بعضا منها مسلوب، ضائع، تائه. ما إن وجدته حتى تجلى لي حقيقة أمري.
عدت لأكون إنسانا .. زال ذلك الغبار من أمامي. صحيح أن من بجواري عرفوا عني حدة البصر ومشاهدة ما بعُد، ولكنهم لم يعرفوا بأنني كنت أعشى حينما أشاهد ذاتي.
عدت لأكون إنسانا .. أحاول أن أرى الصباح، أن تمر أشعة الشمس من خلالي. أن أرى ظلي. أحاول أن ألمس شيئا من الزهور وأشتم عطرها. أن أجلس بقرب شجرة ؛ كل هذا فعلته من قبل ولكن الآن من جديد ، شعور مختلف.
عدت لأكون إنسانا .. إنها اليقظة ، الشعور بالاختلاف ، الوعي بالعمق ، الكون أنا ، هناك ماء ، مطر غزير وقع بيني وبين ذاتي حتى أزال ذلك الغبار وتلك العتمة.
عدت لأكون إنسانا .. لم تعد تعني لي المادة شيء، فكل ما حولي طاقة. أنت طاقة وأنا طاقة. ما إن نلتقي حتى تتماسا طاقتنا ؛ إن تشابهتا ائتلفتا وإن تناكرتا اختلفنا.
عدت لأكون إنسانا .. أرى الجمال ليس هناك فقط بل في الكل. أشعر بالسعادة ليست السعادة فقط بل بالفرح. أجلس لوحدي ليس للعزلة بل للتأمل. أنقد ذاتي ليس للاكتئاب بل للرقي. أبتسم لك ليس للتلطف نحوك بل لمشاعري. أقرأ وأطلع ليس لأعلمك بل لأفقه عالمي. احتفظ بالصور القديمة ليس للذكرى بل لأن الوقت عندي فقد المعنى.
عدت لأكون إنسانا .. كرهت كلمة (آسف) ليس لأنها سيئة بل لأنني أسامحك قبل أن تأتي لتتأسف. لم انتظر قدومك لتمنحني الفرصة لأزيل ما بداخلي وإلا لا خير فيني.
عدت لأكون إنسانا .. أوقفت تفكيري لأشاهد صفاء السماء ، أعيش تلك اللحظة لا يهمني شيء.
عدت لأكون إنسانا .. ولماذا يهمني الماضي؟! ألأتذكر أمجادي فتكون هي قمتي أم أتذكر إخفاقي فأثبط حالي. أنا لست في حاجة الماضي إطلاقا. بل إنني أغيره الآن.
عدت لأكون إنسانا .. لا أعني المستقبل، فالمستقبل لا يهمني كمالماضي، بل لا يهمني في الحقيقة الزمن، لا يهمني إلا هذه اللحظة.
عدت لأكون إنسانا .. لا أحكم على الآخرين، ولا أصنفهم، ولا أقلدهم، ولا أفكر فيما سيفعلون ، ولا أحاول سماع همس حديثهم.
عدت لأكون إنسانا .. أراقب فقط، أحب الآخرين، أرى نفسي من خلالهم، أخالطهم فهم جزء من الحياة.