"اقتصاد السوق شبكة عقود، وبما أن هذه العقود مترابطة مع بعضها بعضا؛ فإن الإخلال بها ينتج عنه كسر سيل من الوعود الرسمية وغير الرسمية؛ سلامة هذه الوعود ضرورية وحاسمة لعمل نظام اقتصاد السوق".
الاقتصادي إكسل لجيوفند
ليس لنا قبل تحقيق معمق من جهات مختصّة أن نحدّد ونقيس هل الأخطاء التي وقعت في شركة المعجل وفيما إذا كان مصدرها "حوكمياً" أو جنائياً، ولكننا نعرف أنه دون تحقيق ونشر وعقاب للمقصرين ستتأثر سلبياً مصداقية السوق وتفتح فرصة للآخرين للتلاعب بأموال الناس الخاصّة وإلحاق أضرار خاصّة وعامّة. مادياً في الغالب الضحايا هم "العامّة" من المساهمين والقطاع المصرفي والعاملين في الشركة؛ والشركات والمؤسسات ذات العلاقة مع الشركة، ومعنوياً مصداقية الأسواق المالية، وخاصة هيئة السوق المالية ومَن يدور في فلك آلية الطرح من مستشار مالي إلى قانوني ومحاسبي، ولذلك فإن السؤال المركزي هو: مَن يدافع عن الحق العام والخاص في مثل هذه الحالة؟
حماية الحقوق تنبع أساساً من وجود قنوات مؤسساتية يلجأ إليها طالب الحق؛ وبما أن هذه القضية وقبلها شركة بيشة وحالات هنا وهناك بدا واضحاً أن النظام الرقابي وحتى النظام الحقوقي في المملكة (على الأقل فيما يخص الأوراق المالية والتجارية) غير قادر على التفريق بين الجنائي والمدني، ولذلك دخلت الحقوق نفقاً مخيفاً. لعل السوق الأكثر تجربة وتطوراً قانونياً في أمريكا، وبالتالي فإن SEC المنظم هناك يرشدنا على التعامل مع هذه القضايا الملحة والمداخل القانونية لحماية الحقوق والأموال الخاصّة والعامّة، فالهيئة الأمريكية لا تملك الحق في رفع الدعاوى الجنائية المتعلقة بمخالفات نظام السوق المالية (ولعل تصريح رئيس الهيئة الدكتور التويجري ينطلق من هذا الأساس)، ولكن هل هذا يكفي؟ هل ينتهي دور الهيئة في الإفصاح والتأكد من سلامة الطرح؟ فمثلاً وزارة العدل الأمريكية قد توجه الاتهام في المخالفات الجنائية المتعلقة بمخالفات نظام السوق المالية من تلقاء نفسها أو عن طريق إحالة ملف القضية الجنائية إليها من هيئة الأوراق المالية سواء بطريقة رسمية أو غير رسمية.
نظام هيئة السوق المالية يخول ويشير إلى حماية جميع الأطراف ذات العلاقة (من خلال سلسلة من العقوبات والجزاءات ممثلة بالمادة 59) وتلمح إلى حق كل المستفيدين في الرجوع إلى الحماية القانونية ولكنها غير واضحة أو قوية فيما يخص دور الهيئة في متابعة المخالفات ونتائج هذه المخالفات. الواضح أن هناك قصوراً في منظومة الأنظمة والقوانين وفجوة بين دور هيئة السوق المالية وبين هيئة الرقابة والتحقيق. في هذه الحالة يصعب أن يكون هناك تحقيق دون الرجوع إلى دور المستشار المالي أثناء الطرح حتى مع السلامة الشكلية للطرح.
ما الحل؟
في نظري، نقطة البداية هي تقدير مرحلة ثقافة النظام (الإداري والقانوني) في المملكة، فمثلاً الشركات العائلية لها نمط في الحوكمة غير الدقيقة ونمط في العلاقات المجتمعية التي تستطيع بها المراهنة على الفجوات النظامية والإدارية، وبالتالي تفادي المساءلة وحتى الحقوق أحياناً، ولذلك على هيئة السوق المالية أخذ زمام المبادرة وتفعيل تواصل مؤثر وواضح مع هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد لتفعيل نموذج جديد لمعرفة الأخطاء ومتابعة المتضررين والمتهاونين في حماية الحقوق وإرجاع الحقوق إلى الصواب. لا تستطيع الهيئة عمل كل شيء، ولكن عليها إيجاد نموذج واضح لحماية الحقوق وسلامة نظام الأوراق المالية، خاصة أنها لم تفعّل كل السلطات التي منحها النظام، والتعجيل في الجانب الإلزامي للحوكمة، كما أن هناك حاجة إلى رفع مستوى الغرامات المالية وإسدائها إلى المؤثرين في قرارات الشركة مباشرة.