مازن وصل من بغداد منتفخ الوجه.. جاحظ العينين..
وفي عنقه بقايا حبل المشنقة
وصل جثمان المواطن ...
مازن محمد ناشي المساوى
إلى جدة عند الساعة 3:55 عصر أمس بعد 30 يوما من إعدامه في سجن الحماية القصوى ببغداد، وحفظه طيلة هذه الفترة داخل ثلاجة الموتى في دائرة الصحة العامة، وكلف نقله المرور بثلاث محطات، بدأت بمطار بغداد الدولي وانتهت بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، مرورا بمطار الملكة علياء الدولي في عمان.
واستقبل والد مازن وذووه الجثمان داخل وحدة الجمارك بمطار الملك عبدالعزيز عند الساعة 4:20 عصرا، حيث تعالت نوبات البكاء وعبارات الدعاء بمجرد مشاهدتهم التابوت، فصار والده يردد وعيناه مغرورقتان بالدموع :
«الله يرحمك يا ولدي، وحسبي الله على الظالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله»، فأحاط به أقرباؤه وأصدقاء مازن لمواساته ومحاولة تهدئته والتخفيف من أحزانه.
وختم التابوت بالشمع الأحمر من ثلاث جهات، جهة الرأس والجانبين الأيمن والأيسر، ومحكم إغلاقه بمربطين بلاستيكيين، وعليه أربعة ملصقات لبيانات الشحن الجوي، واحد باللون الأخضر صادر عن الخطوط العراقية، وثلاثة باللون الأبيض من الخطوط السعودية.
وبعد نقله إلى مستشفى الملك فهد عبر سيارة تابعة لمغسلة الأموات الخيرية بجامع الثنيان في حي الصفا بجدة، استأذن والد مازن المسؤولين برؤية ابنه، فأدخلوه إلى غرفة خاصة وضع بها التابوت ومعه خاصة أقربائه، وما إن رفعوا غطاء التابوت وكشفوا عن وجه مازن إلا وفجع والده من هول ما رآه، وغاص في نوبة بكاء غير مصدق لما شاهده
ووصف لـ«عكاظ» أحد أقربائه المشهد بقوله :
«كشفنا عن مازن فأصابنا الهلع، فوجهه منتفخ لدرجة لا يمكن تصورها، وعيناه بارزتان وخارجتان من مكانهما، فالعين الواحدة بحجم فنجان القهوة، وتملأ أجزاء من وجهه وجسده ثقوب الإبر، وفي عنقه آثار الحبل الذي شنق به وبقايا خيوط من الحبل، ولحيته خفيفة».
ساعة الشنق
وحصلت «عكاظ» على وثائق رسمية صادرة عن جهات رسمية عراقية، تنسف التصريحات التي أدلت بها السفارة العراقية في الرياض على لسان المشرف على العلاقات الثنائية والقانونية الدكتور معد العبيدي الذي نفى لوسائل الإعلام قطعيا تنفيذ حكم الإعدام بحق مازن المساوى..
وقال :«هذه الأنباء عارية من الصحة تماما»..
حيث أوضحت الوثائق أن تنفيذ الإعدام جرى في تمام الساعة 2:30 ظهر يوم الاثنين 9/10/1433هـ، الموافق 27/8/2012م، وهو اليوم ذاته الذي نفت فيه السفارة العراقية ذلك.
حتى الموت
«الإعدام شنقا حتى الموت».. هو السبب المدون بخط اليد في شهادة الوفاة الصادرة عن قسم الإحصاء الصحي والحياتي بوزارة الصحة العراقية، رقم 173028 بتاريخ 27/8/2012م، ودون الطبيب في العيادة الطبية بسجن الكاظمية الطيب القاحصي المعلومات المتعلقة بالمتوفى، جاء فيها :
«اسم المتوفى ولقبه: مازن المساوى
الجنس: ذكر
الجنسية: سعودي
الدين: مسلم
تاريخ الولادة: 1981
محل الولادة: جدة
اسم والده: محمد ناشي
اسم والدته: فايزة دخيل».
ملف خاص بالعرب
وتشير شهادة الوفاة إلى وجود ملف خاص بالمتوفين العرب من غير العراقيين، حيث نص توجيه مديرة شعبة الإحصاء بوزارة الصحة أنعام لطيف شلتاع كتابيا بخط يدها وبتوقيعها بتاريخ 16/9/2012م «تسجل في ملف العرب كونه عربي الجنسية».
الصليب الأحمر
وأوكلت السفارة السعودية في الأردن محاميا لمتابعة إجراءات نقل الجثمان بعد 3 أيام من إعدامه، إثر برقيتين بعث بهما والد مازن إلى وزارتي الداخلية والخارجية، يطلب فيهما نقل جثمان ابنه ودفنه داخل المملكة.
وتولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مهمة التنسيق بين الجانبين السعودي والعراقي لتسهيل إجراءات نقل الجثمان، وبدورها أرسلت هيئة الهلال الأحمر السعودي وفدا إلى الأردن للتواصل مع الصليب الأحمر.
صدام.. قوانينه سارية
وبعد المماطلة في المداولات بين وزارات عراقية، هي الخارجية والعدل والصحة، تلقت وزارة الخارجية خطابا حازما من اللجنة الدولية للصليب الأحمر برقم (بي/جي/دي/ 12/00843)، بتاريخ 24/9/2012م، تضمن سرعة نقل الجثمان استنادا على (المادة 58) من قانون الصحة العامة في العراق (رقم 89)، والصادر قبل 32 عاما في بدايات حكم الرئيس السابق صدام حسين بتاريخ 17/8/1981، إذ تنص على «تحمل الجهة الناقلة نفقة شحن الجنائز خارج الجمهورية العراقية، والحصول على موافقة سفارة الدولة التي ينتمي إليها المتوفى عند نقل الجنازة خارج القطر العراقي، بحضور ممثل قنصلية الدولة التي ستنتقل إليها الجثة، بعد ختم الصندوق الخشبي بختمها وختم الجهة الصحية المختصة في العراق».
الجثمان داخل صندوقين
وبدورها، أرفقت وزارة الخارجية خطاب لجنة الصليب الأحمر في مذكرة بعثتها إلى وزارة الصحة برقم (6/5/5/35656) وبتاريخ الأربعاء الماضي 26/9/2012م، بالنظر في مباشرة إجراءات نقل الجثمان. وقبل يومين، وتحديدا الخميس الماضي أصدر المدير العام لدائرة الصحة العامة بوزارة الصحة العراقية حسن هادي باقر «شهادة دولية لنقل الجنائز»، وبعث خطابا باعتماد ذلك إلى الدائرة القنصلية بوزارة الخارجية العراقية برقم (د.ص.ع /7/5)، وصورة منها إلى مطار بغداد الدولي، والمركز الوطني للإيدز، ودوائر أخرى تابعة لوزارة الصحة. وجاء في شهادة نقل الجنائز بعد توضيح اسم المتوفى وجنسيته وتاريخ ميلاده وأسباب الوفاة وتاريخه «على أن يوضع الجثمان داخل صندوقين، الداخلي من المعدن، والخارجي من الخشب، ويحكم سدهما».
تحنيط الجثة
وفي اليوم ذاته، تم إبلاغ مكتب بغداد الدولي لخدمات الجنائز بتجهيز جثمان مازن لنقله عبر طائرة للشحن الجوي من بغداد إلى عمان الأردنية.وبعد ساعات صدر خطاب عن المركز (حصلت «عكاظ» على صورة منه) ويحمل الرقم 320، اكتفى فيه المسؤول بالإمضاء تحت عبارة «المحنط» دون ذكر اسمه، جاء فيه «إلى من يهمه الأمر.. تحية طيبة.. تم تحنيط جثة المتوفى مازن محمد ناشي المساوي، الجنسية سعودي.. للتفضل بالاطلاع مع التقدير .. المحنط 27/9/2012».
الجواز وتذكرة المرور
وبحسب التنظيمات الأردنية لنقل الجثامين، يتطلب إصدار جواز سفر للمتوفى، ما دفع السفارة السعودية في عمان للإسراع بإصدار جواز سفر بصيغة «تذكرة مرور» من 16 صفحة. واطلعت «عكاظ» على أصل الجواز، حيث تحمل الصفحة الأولى منه صورة مازن وبجانبها مكتوب بخط اليد «متوفى»، وسجل القسم القنصلي في خانة اسم صاحب التذكرة «المرحوم مازن محمد ناشي المساوى»، واعتمد رئيس شؤون السعوديين متعب خزيم الخزيم إصدار الجواز برقم (360/1433هـ) بتاريخ 9/11/1433هـ، الموافق 25/9/2012م.
تحدث مع والدته قبل 3 ساعات من إعدامه..
والده لـ عكاظ :
ابني توقع اقتراب أجله وأوصاني بدفنه في المدينة
روى لـ«عكاظ» والد مازن قصة إعدام ابنه بحسب ما بلغه من زملائه السجناء والمحامية التي تولت متابعة إجراءات نقل جثمانه، فقال :
«اتصل بي مازن في الليلة التي نفذ فيها حكم الإعدام بحقه، وأبلغني أنه يتوقع قرب رحيله (إعدامه)، فصرت أطمئنه وهو يطمئنني، وكأن كل واحد منا يحمل الآخر، فأوصاني بالثبات وعدم الجزع من القضاء والقدر، وأن يدفن في المدينة المنورة إن تم إعدامه، وكان يؤكد لي أن الموت واحد مهما تعددت الأسباب، لكننا لم نشعر أن تلك الليلة ستكون آخر ليلة في حياته، وفي اليوم التالي وتحديدا عند الساعة الحادية عشرة صباح يوم الاثنين 9/10/1433هـ، هاتف مازن والدته، وسأل عن صحتها، وأوصاها بالصبر عند وقوع المصائب».
ويواصل والده القصة: وبعد ساعتين وردنا اتصال من رقم دولي غير معروف، فكان صوت سجين يبلغنا أن مازن تم إخراجه من العنبر بنية إعدامه ومعه مجموعة من السجناء الآخرين من جنسيات متعددة، فآمنت حينها بالقضاء الذي يقدره الله لابني، رغم أنني لا أعلم بالنتيجة بعد، حتى اتصلت بي المحامية عند العصر، تبلغني أن مازن تم شنقه الساعة 2:30 ظهرا.
في المقابل، أشاد عمه صالح المساوى بدور السفير السعودي في الأردن فهد الزيد والقائم بالأعمال حمد الهاجري في متابعة إجراءات نقل جثمان ابنهم إلى المملكة، «وتواصلهم المستمر معنا مقابل تقاعس الجهات العراقية ومماطلتها التي تسببت في نقل الجثمان بعد أربعة أسابيع».
وقال حول شرعية تنفيذ الإعدام إن «المحامية أبلغتنا أن الحكم بإعدام مازن تحت الاستئناف، وتم تأجيل النظر في الحكم، لكن إعدامه جاء غيلة دون وجه حق».
سفيرنا في بغداد: نتابع أحوال السجناء
أكد لـ«عكاظ» سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الأردن والسفير غير المقيم في العراق :
فهد بن عبدالمحسن الزيد أن السفارة تواصل متابعتها لأحوال السعوديين في السجون العراقية. وقال إنه أوكل محاميا لمتابعة أوضاعهم والدفاع عنهم لدى الجهات الجنائية والقضائية، مشددا أن هذه الجهود تأتي ضمن طبيعة عمل السفارة، حيث يوجه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية السفراء دوما بالعمل على خدمة المواطن وتلبية احتياجاته في الخارج وتذليل العقبات التي قد تعترضه. وأشار الزيد إلى مكاتبات تجري بين الجانبين السعودي والعراقي بشأن تبادل السجناء، بحسب الاتفاقية الموقعة بين وزارتي العدل في الحكومتين.
وعلى صعيد الحدث، أوضح الزيد أن السفارة بذلت جهودا واسعة وأجرت اتصالات متعددة الأطراف في سبيل نقل جثمان مازن إلى المملكة، وقد أصدرت له جواز سفر بهيئة تذكرة مرور قبل وصول جثمانه إلى الأردن، وذلك لتيسير نقله إلى المملكة في أسرع وقت.
السفير العراقي: لم نصدر تأشيرة لأسرة سجين سعودي
لخص السفير العراقي في المملكة الدكتور غانم الجميلي دور سفارته في أنها حلقة الوصل بين الحكومتين في الرياض وبغداد، مشيرا بذلك إلى أنها لا تتخذ قرارا تنفيذيا بشأن السجناء السعوديين في العراق.
وحول إصدار التأشيرات وتمكين أسر السجناء من زيارة العراق ومقابلة ذويهم القابعين في السجون هناك، قال الجميلي إن «وزير العدل العراقي أثناء زيارته الرياض رحب بزيارة أسر السجناء العراق، لكنه حتى تاريخه لم يردنا منهم أي طلب بذلك، وإن تقدم أحدهم برغبته في زيارة ابنه أو شقيقه فسوف نرفع طلبه إلى وزارة العدل في بغداد، فإن تمت الموافقة أصدرنا التأشيرة في الحال».
وألمح السفير العراقي إلى أن السفارة تؤدي دورا إنسانيا في تلقي استفسارات ذوي السجناء السعوديين في العراق والسجناء العراقيين في المملكة، وتحاول الإجابة عليهم بعد تواصلها مع الجهات المعنية.
شيخ القبيلة:
رعاية المملكة رسالة إلى الشباب المغرر به
أجزل شيخ قبيلة آل مساوى عادل رجا الله المساوى الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على ما بذلته الحكومة من جهود لضمان وصول جثمان ابنهم إلى المملكة. وقال «إن عناية حكومة خادم الحرمين بقضية ابننا تترجم كريم رعايتها للمواطن في الخارج حتى بعد وفاته، بجانب أنها رسالة إلى الشباب المغرر بهم، والذين تم استغلال طيشهم وجهلهم للخروج إلى مزالق كهذه».