أسمي : نور وتناديني أمي بـــ Li ، العمر : 24 سنة ، الجنس : أنثى ،
الجنسية : إندنوسية ، المهنة : خادمة ، الديانة : مسلمة ، الحالة الاجتماعية : متزوجة ،
مكان المعيشة حالياً : السعودية ، المنطقة : حائل
إليكم قصتي سأرويها من ألفها إلى يائها ، مرورا بأتعس حروفها وأكبر محنها، متجاوزة حلوها لانعدام ذلك إلا ما ندر وشذ ، والشاذ لا حكم له .
وأعلم بدأً أنكم لا تأبهون لسماعها ولا بقراءتها ، فمن ذا الذي يرعِي سمعه لخادمة لا تعدو أن تكون من سقط المتاع ،
أو قطعة من أثاث البيت ، بل وربما أقلها ثمنا وأدناها مرتبة .
أكتب لكم قصتي دون ما إرادة مني ودون ما قصد لدي ،
ودون ما فائدة سأجنيها. سأكتبها ، شاء من شاء وأبى من شاء ،
ليس لكم معاشر الفضلاء أكتبها ، ولكني أكتبها للزمن وللتاريخ البائد ، أكتبها للحقيقة الغائبة عن الكثيرين. أكتبها لتخفيف ألمي ، و تجفيف مصابي.
أكتبها لكل ربة بيت تنعم بخادمة - بهيمة - تعتبرها آلة يسرها الله وسخرها لها بكل معاني التسخير ،
وأكتبها لكل من أوكل الله أمر مثلي إليه وحمَّله المسؤولية ، فبادر بخيانتها وظن أني وأمثالي ملكة يمين في عصر الجاهلية الحديثة ، أكتبها لكل ظالم تنمرد ، ونسي أن الله لا يموت ،
لأهل الخادمات أكتبها ولأزواجهن وأهليهن ، ولكل من تعامل معهن ..
هناك ترعرعت ، خلف شمسكم هذه ، هناك وطني حيث يبدأ يومهم قبل يومكم .. ترعرعت هناك حيث أهلي وأقراني و والديَّ وأخوتي ..
هناك نشأت حيث يعيش المرء ليبحث عن قوت يومه و من يعول ، يعمل ليعيش لا ليدخر ، هناك حيث يموت المئات بل الألوف بل ألوف الألوف ، يموتون وهم يحلمون بأن يؤدوا فريضة الحج ورؤية الديار المقدسة .
تهفو إليها قلوبهم ثم تغمض أعينهم وهم لم يستطيعوا نيل مرادهم.. في تلك القرية التي تتوسط الأدغال ، حيث مزارع المطاط والأرز والغابات ،
وحيث الأنهار التي تجري لتغسل مع كل يوم عناءه وهمه ، حيث الخضرة والأمطار ، حيث جمال الطبيعة و جنة الدنيا ..
أبي - رحمه الله - كان رجلا قويا ملك من الغابة الكثير ، واشتغل بالتجارة في الأخشاب وتربية الأسماك ، ولكنا مع ذلك كنا فقراء ،
لضيق ذات اليد وقلة توفر العمل فلا عمل إلا في الحقل أو الصيد ، هكذا هي حال القرى النائية في كل أصقاع الأرض ..
تزوج والدي بوالدتي وكانت الثالثة .. تزوجها وتوفي عنها بعد أن خلفت منه خمسة أولاد . كنت الأنثى الوحيدة بينهن ..
هناك في جزيرة تدعى كلمنتن ، في قرية من قراها تيعد يوما كاملا عن مطار بنجر ماسن.. لم أر قريتي منذ أكثر من ست سنوات ..
لم يبق لي فيها إلا أشقاء ثلالة وأخوين من أب وأخت من أب .. لم أرهم ولا أعلم عن أخبارهم ألا كما يعلم أحدكم عن جاره اليوم ..
كان حالنا أفضل من الكثيرين حيث درست هناك . وأنتم تعلمون أن الدراسة هناك تحتاج إلى مال ، حيث يشح المال ،
وكثيرون لا يجدون فرصة الدراسة . فهل قدرتم النعمة التي أنتم بها . درست حتى دخلت الثانوية . بلغت الرابعة عشر من عمري عندما توفى والدي .
أصابه المرض واستمر في مرضه قرابة أربعة أشهر صرف فيها جل ما يملك من مال ، بل صرفه كله. باع أراضيه ومزرعة الأسماك التي ما زالت قائمة حتى اليوم .
باع حقول الأرز ومزارع المطاط ولم يبق منها إلا القليل ... مات أبي ولم يحج بل ولم يعتمر ، بل تصوروا حتى أنه لم ير صورة الكعبة بالتلفاز ، لأنه لم يكن في قريتنا حينها تلفازا .. كانت صورة الكعبة الوحيدة التي رآها أبي تلك الصورة المعلقة في غرفة المعيشة الوحيدة ... كانت أمي لم تتجاوز الأربعين بعد حين وفاة والدي .