4 ربيع أول 3 هـ
المكان: حصن ابن الأشرف ـ جنوب المدينة النبوية.
...
الأحداث:
لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان اليهود كيان قائم له وجود وحضور قوي على ساحة الأحداث في المدينة، لذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم عند تكوينه لدعائم المدينة الجديدة على التعامل مع الأمر الواقع، وعقد معاهدة مع اليهود، بنودها معروفة شهيرة، من أهمها 'ألا تنصر اليهود قريشًا ولا أي عدو للنبي صلى الله عليه وسلم'.
- من قديم الأزل واليهود قوم غدر وخيانة؛ لا يحفظون عهدًا، ولا يعرفون أمانة، دائمًا يغلبهم طبعهم اللئيم في الغدر والحقد والحسد، فلما حقق النبي صلى الله عليه وسلم انتصاره الباهر في بدر ضجت قلوب اليهود بما فيها من غل وحقد وحسن، فجاهروا بالعداوة والسب والشتم، وكان رأس هؤلاء هو طاغيتهم كعب بن الأشرف اليهودي من بني النضير، الذي لما جاءه الخبر انطلق يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ويبكى على قتلى بدر من المشركين، ويحرض على الأخذ بثأرهم، وتوجه إلى مكة، ونزل على أهلها ينشد لهم الأشعار التي تثير حفيظتهم وتذكي نارهم. وقال للمشركين لما سألوه عن أي الدينين أفضل؟ قال: 'ما أنتم عليه!'، وأنشد الأشعار في نساء الصحابة وآذاهم بسلاطة لسانة أشد الإيذاء.
- عندها قال النبي صلى الله عليه وسلم: 'من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى الله ورسوله' فانتدب له كتيبة من الأنصار، كلهم من الأوس بقيادة محمد بن مسلمة، وطلب الرخصة في الكذبن فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
- توجه محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف واستطاع أن يخدعه ويفهمه أنه ناقم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن معه مجموعة من أصحابه على نفس الأمر، وأن بهم ضائقة، ويطلبون منه رهن أسلحتهم لمواجهة ضيق الحال. وانطلت الحيلة على الخبيث، وتواعد مع محمد بن مسلمة وباقي أصحابه في ليلة 14 ربيع أول سنة 3 هـ على أن يأتوا إليه، فجاء الصحابة في الميعاد، ونادوا عليه من خارج الحصن، فلما أراد أن ينزل إليهم ـ وكان حديث عهد بعرس ـ أرادت زوجته منعه من النزول، ولكنه كان مختالاً متكبرًا فلم يسمع لها.
- قال أبو نائلة ـ وكان رضيعًا لكعب لباقي الصحابة: 'إذا جاء الخبيث فإني آخذ بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فاضربوه' فلما نزل كعب قالوا له: 'هل لك إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز [مكان خارج الحصن] فنتحدث بقية ليلتنا؟' فوافق، فلما وصلوا إلى شعب العجوز وعمل أبو نائلة خطته في الخبيث، اجتمعوا عليه بسيوفهم حتى قتلوه، وقد أصيب أحد الصحابة، وهو الحارث بن أوس من ذباب سيوف أصحابه، فلما عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالبشرى تفل على جرح الحارث، فبرأ كأن لم يكن.
- لما علمت اليهود بمصرع طاغيتهم دب الرعب في قلوبهم، ودخلت أفاعي الحقد والغل في جحورها، وأصدر النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا نبويًا بقتل أي يهودي يخرج على نصوص المعاهدة، وهذا ما ساعد على أن يتفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه الأول من خارج المدينة حيث قريش.
المراجع:
1 ـ البداية والنهاية 4/6.
2 ـ الكامل 2/38.
3 ـ الطبري 2/52.
4 ـ الرحيق المختوم ص219.
5 ـ سيرة ابن إسحاق 3/297.
6 ـ السيرة الحلبية 2/436.
7 ـ السيرة النبوية 3/318.
8 ـ الروض الأنف 3/230.