هل القصور الذاتي لأي جسم يعتمد على محتوى طاقته؟" .. كان هذا هو عنوان الورقة البحثية التي نشرها عالم الفيزياء الشهير "ألبرت أينشتاين" في عام 1905 والتي قدم فيها أشهر معادلة في التاريخ، وهي معادلة تكافؤ الكتلة والطاقة (E=mc²).
ووفقاً لهذه المعادلة فإن "الطاقة" أو E لجسم معين تساوي "كتلة" هذا الجسم أو m مضروبة في مربع "سرعة الضوء" c². وإذا أخذنا سرعة الضوء c كسنة ضوئية واحدة لكل سنة، فإن عامل التحويل c² سيساوي 1. وهذا يجعل الطرفين E=m متساويين، أي أن الطاقة والكتلة هما شيء واحد.
عبقرية هذه المعادلة وسبب شهرتها الساحقة يكمن في بساطتها وإيجازها. فصيغتها البسيطة هذه تخفي وراءها كمية كبيرة من العلوم والفيزياء والرياضيات. ولكن أينشتاين نجح رغم ذلك في تلخيص كل ذلك في معادلة تتكون من 3 عوامل فقط هي الطاقة والكتلة وسرعة الضوء.
أهمية التوزيعات
حين يتعلق الأمر بالمعادلات الفيزيائية فالقليل دائماً كثير، والظريف هو أن هذا ينطبق أيضاً على المعادلات الخاصة بالاستثمار في سوق الأسهم. فكلما قل عدد المتغيرات الموجودة بمنهجية الاستثمار الخاصة بك أصبح من السهل عليك تنفيذها ومراقبتها.
وانطلاقاً من هذا، قدم المستثمر الأمريكي "تشارلز كارلسون" في كتابه "الكتاب الصغير للأرباح الكبيرة" المنشور في عام 2010 الطريقة التي تنتهجها شركته "هوريزون إنفسمنت سيرفيسز" في اختيار أفضل الأسهم الموزعة للأرباح في السوق.
في سوق الأسهم تأخذ المكاسب التي يحققها المستثمرون شكلاً من اثنين: فإما أن تكون عبارة عن مكاسب رأسمالية وإما توزيعات أرباح. وجمع الاثنين معاً يعطينا العائد الإجمالي للسهم.
أغلب المستثمرين ينشغلون بالمكاسب الرأسمالية أكثر من أي شيء آخر وهو ما يبرر متابعتهم اللصيقة لحركة أسعار الأسهم على مدار الساعة، متجاهلين إلى حد كبير الشكل الآخر من المكاسب والذي تمثله توزيعات الأرباح. وهذا بالمناسبة خطأ كبير ومكلف جداً، لأنه وفقاً لـ"كارلسون" فإن ما يقرب من 40% من العوائد التي تحققها الأسهم على المدى البعيد تأتي من توزيعات الأرباح.
توزيعات كبيرة وآمنة
المعادلة التي صممها "كارلسون" يطلق عليها اسم Big, Safe, Dividend (BSD) أو "توزيعات كبيرة وآمنة"، وهي تقوم على افتراضين أساسيين:
الأول: لا تستطيع الشركة توزيع أي أرباح إذا لم يكن لديها المال الكافي لذلك.
الثاني: من مصلحة المستثمر اختيار الأسهم التي تمتلك عائدا إجماليا جذابا ذا إمكانات نمو مستقبلية.
بناء على هذين الافتراضين تركز معادلة "كارلسون" على بندين اثنين فقط هما: نسبة توزيع الأرباح (Payout ratio) وناتج كوادريكس الإجمالي (Overall Quadrix score).
تقيس نسبة توزيع الأرباح حجم الأرباح التي توزعها الشركة على المساهمين بالنسبة إلى أرباحها الإجمالية.
وترتبط هذه النسبة بالافتراض الأول والذي يتعلق بمدى قدرة الشركة على الحفاظ على الأرباح وتنميتها.
على سبيل المثال، إذا حققت الشركة أرباحاً قدرها ريالان للسهم وقامت بتوزيع ريال واحد للسهم، فإن نسبة توزيع الأرباح في هذه الحالة يساوي 50% أو حاصل قسمة الأرباح الموزعة (الريال) على الأرباح الإجمالية (أي الريالين).
يرى "كارلسون" أنه كلما قلت قيمة نسبة توزيع الأرباح كان ذلك أفضل، لأن انخفاض تلك النسبة من شأنه يوفر للشركة الكاش اللازم لتنمية الأرباح الموزعة مستقبلاً، أو على الأقل الحفاظ عليها كما هي إذا انخفضت أرباح الشركة.
يفضل "كارلسون" الأسهم التي لا تزيد نسبة توزيع الأرباح لديها عن 60%، ويتجنب تلك التي تتجاوز تلك النسبة. وبينما يعترف بأن الالتزام بتلك العتبة من شأنه أن يفوت على المستثمر بعض الفرص الجيدة يؤكد "كارلسون" أن الاستثمارات التي تزيد نسبة توزيع الأرباح لديها على 60% عادة ما تكون ذات مخاطر عالية وتوزيعات متقلبة، ومن الأفضل أن يبقي المستثمر نفسه بعيداً عن تلك المشاكل.
صندوق أسود .. وهذا هو كل ما نعرفه عنه
أحد الأسئلة التي يجب أن يحاول المستثمر الإجابة عنها بينما يبحث عن أفضل الأسهم الموزعة للأرباح هو: ما العائد الإجمالي للسهم؟. في أغلب الأحيان يقوم المستثمر باختيار الأسهم بناء على إحدى النسب المالية أو بناءً على مجموعة صغيرة منها.
ففي كثير من الأحيان يركز مستثمرو القيمة على الشركات الأكثر جاذبية استناداً إلى مؤشرات مثل مكرر الربحية أو التدفقات النقدية المخصومة. في حين ينجذب المستثمرون المهتمون بأسهم النمو إلى الشركات التي تحقق معدلات نمو كبيرة في بندي المبيعات والإيرادات.
ولكن خطورة هذه الطرق والأساليب تكمن في أن استراتيجية المستثمر بالكامل تصبح رهينة مقياس واحد أو مجموعة صغيرة من المقاييس المترابطة، وهو ما يجعل المحفظة عرضة لخسائر كبيرة إذا اتضح أن المستثمر راهن على المقياس الخاطئ.
هذا يقودنا إلى العنصر الثاني في استراتيجية "كارلسون" هو ناتج كوادريكس الإجمالي (Overall Quadrix score)، وهو عبارة عن مقياس متعدد المتغيرات طورته الشركة التي يرأسها، للتعرف على الأسهم التي تحقق نمواً متوازناً.
يصنف هذا المقياس الأسهم بناء على أكثر من 100 متغير تندرج تحت 6 فئات هي:
2- الجودة (العائد على الاستثمار والعائد على حقوق الملكية والعائد على الأصول).
3- القيمة (نسبة السعر إلى المبيعات ومكرر الربحية ومضاعف القيمة الدفترية).
4- القوة المالية (مستويات الدين).
5- تقديرات الأرباح
6- الأداء (الأداء النسبي لسعر السهم).
وضمن كل فئة من هذه الفئات يتم ترجيح بعض المتغيرات بشكل أكبر على أساس فاعليتها السابقة.
لكن بما أن مقياس "Quadrix" هو في الحقيقة بمثابة صندوق أسود لشركته لا يخوض "كارلسون" في التفاصيل الخاصة بهذا المقياس وكيفية حسابه أو الوزن المخصص للمتغيرات المختلفة.
لكن ما يمكننا قوله في هذا الشأن هو أنه يتم تصنيف نواتج هذا المقياس بشكل مئوي. بمعنى أنه إذا حصل سهم معين على 90 درجة وفق ذلك المقياس فهذا يعني أن ذلك السهم أفضل من 90% من الأسهم التي يفحصها ذلك النظام. وعادة ما يركز "كارلسون" على الأسهم الواقعة في النطاق من 75 إلى 100. وهذا أكثر ما يمكننا معرفته عن هذا النظام الذي يعتبر ملكية خاصة بشركة "هوريزون إنفسمنت سيرفيسز".