الكثير يشكو ويعاني بأنه كان هدفاً مستغلاً من أقرب الناس له أو من أشخاص آخرين في محيط العمل أو الصداقة! وهذه الشكوى يملؤها الألم عندما يكون الشخص في دائرة الاستغلال لسنوات طويلة ولم يشعر بذلك، ويعتقد أنه يؤدي واجبه الأسري أو العملي أو الاجتماعي، ولا ينتظر الشكر والتقدير! أو أنه يقدس إرضاء الآخرين وإسعادهم ويقلق من عدم رضاهم عن مستوى عطائه في علاقته بهم! ولو استعرضت لكم أكثر الشخصيات التي تتعرض للاستغلال العاطفي والجسدي والنفسي هي «شخصية الأم ثم الزوجة» هذه الشخصيتين من الشخصيات التي تعاني من داء إرضاء الآخرين على الرغم أنها تعتقد بأن هذا وسام شرف تعلقه على صدرها وتفتخر به في المجالس الأسرية والعامة، وتفتخر بأن هدفها الأساسي في حياتها منذ صحوتها إلى نومها في ساعة متأخرة من الليل بأن يكون الجميع من حولها راضياً عن أداء واجباتها نحوهم بكل مهارة واقتدار! ولقد ذكرت مؤلفة كتاب «داء إرضاء الآخرين» د. هاريت بريكر الذي يعتبر من الكتب الأكثر مبيعاً بأن «محاولة إرضاء الآخرين» تسمية حلوة لنمط من التفكير والتصرفات لكنه ممكن يصبح مشكلة نفسية خطيرة عميقة الأثر! بل قد يتحول إلى نمط قهري يعتاده صاحبه إلى حد الإدمان! لأن الشخص الذي تصبح لديه ضرورة ملحة للحصول على استحسان الآخرين ورضاهم قد تمر به أوقات أو فترة زمنية من حياته لفقدانه السيطرة على الضغوط والمتطلبات التي اعتادها في حياته بهدف كسب رضا من حوله! وهذا هو الظاهر لنا حالياً في حالات العنف الأسري عندما تتقدم لنا الأم المسنة أو الزوجة المتقدمة في العمر بشكوى ضد أبنائها الناكرين لجميلها طوال السنوات الماضية، أو الزوجة التي ترغب في قليل من الرحمة من زوجها القاسي معها طوال سنوات زواجهما التي قد تتجاوز العشرينات من عمرها، ولم يقدّر عطاءها الجنوني من أجل كسب رضاه وحبه لها! هذه الشخصيات المريضة بإلغاء هويتها الشخصية وراحتها النفسية والركض بشكل مكوكي لإرضاء الآخرين مهما كانوا جافين أو مهملين لوجودها العاطفي والإنساني، لا تستطيع للأسف أن تسترجع قيمتها الذاتية أمام نفسها أو أسرتها وبالذات زوجها الذي يستنكر عليها أي أمنية أو مطلب بسيط يحقق ولو جزءاً بسيطاً من الفرح العابر! فالأم لها دورها الطبيعي في حياة أبنائها لكن إذا بلغ درجة نكران الذات فهذا مرض آثاره ستكون سيئة على جميع أفراد أسرتها! كذلك الزوجة التي ترتضي لحياتها الذلّ والهوان طوال سنات زواجها بهدف كسب رضا زوجها فإنها لن تعيش الحياة الكريمة وستدفع ثمناً باهظاً أوله «دخولها دائرة الاستغلال التي لا خلاص منها»!
إن العطاء والأخذ العادل ما بين الحقوق والواجبات ما بين أفراد الأسرة الواحد يساعد في خلق أجواء نفسية سليمة تخلو من الاستغلال والسيطرة، وتقويّ من علاقات الحب الصادق بين الأطراف جميعهم وتحقق لكل واحد مكانة من القبول والاهتمام والاحترام!