الندم ربما هو أكثر المشاعر التي تصيبنا كمستثمرين بالاضطراب وتؤثر سلبياً على أدائنا خلال حياتنا الاستثمارية. فإما أن نندم على أشياء فعلناها وإما على أشياء لم نقم بها وفي بعض الأحيان نندم على الاثنين معاً. وتماماً مثل السرطان، سرعان ما يزحف هذا الشعور ليؤثر على جميع جوانب حياتنا ويدفعنا نحو اتخاذ قرارات سيئة.
إذا سبق لك التعرض لخسارة مالية كبيرة في السوق، فأنت بالتأكيد تعرف أن آخر شيء يود سماعه كل من يمر بمثل هذا الموقف هو قول أحدهم إنه "من الجيد أن الخسارة كانت أموالاً فقط"، وذلك لأن مثل هذه الخسارة عادة تتجاوز فكرة الأموال بكثير وتتعداها إلى جوانب أخرى لا يراها أغلب من يحاولون مواساتك.
كما لو فقدت عزيزاً عليك
فما لا يعرفه كل من لم يذق هذا الألم هو أن الآثار العاطفية والجسدية للخسارة المالية الكبيرة تشابه إلى حد كبير تلك التي يشعر بها الشخص تجاه فقدان أحد أفراد أسرته، وذلك وفقاً لما أشار إليه "أرون برون" الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية في دراسة نشرها عام 2014 تحت عنوان "تأثير الخسائر المالية القاسية".
درس "برون" حال المستثمرين الأفراد الذين خسروا أموالهم مع انهيار شركة الاستشارات المالية الأسترالية "ستورم فاينانشيال" في السادس والعشرين من مارس/آذار 2009، ليجد أن أغلبهم عانى مشاعر مختلطة من الصدمة والخوف والندم والغضب، في حين تدهورت صحتهم الجسدية والنفسية وهو ما أثر على علاقاتهم الشخصية بمن حولهم.
ما توضحه لنا هذه الدراسة هو أن الآثار النفسية الناجمة عن النكسات المالية التي يتعرض لها بعضنا من آن لآخر في سوق الأسهم لا يمكن أبداً الاستخفاف بها أو التقليل من شأنها.
ورغم ذلك، من المهم جداً أن ندرك أيضاً أن الخسارة المالية الكبيرة لا تعني نهاية الكون والاستسلام للاكتئاب. وهذه بالمناسبة ليست مواساة أو رسالة طمأنة فارغة. فنحن في الحقيقة كبشر أكثر مرونة مما نظن.
رفقاً بأنفسكم
أول خطأ يجب أن نتجنبه هو المبالغة في الندم. فالألم النفسي المرتبط بالندم أكبر بكثير من ألم الخسارة وذلك لأننا عادة ما نتهم أنفسنا بأننا فشلنا في اتخاذ القرار الصحيح، وهو ما يجعلنا نشعر بأننا مسؤولون بشكل ما عن هذه الخسارة.
لكن انظر، ما حدث قد حدث، أنت اتخذت القرار الخاطئ أو كنت ضحية الظروف، أياً كان الأمر فقد انتهيت منه ولا يمكنك فعل شيء حياله ولن يفيدك الوقوف باكياً على الأطلال محدثاً نفسك لائماً إياها "ليتني فعلت كذا أو ليتني لم أفعل كذا" لأن هذا قطعاً لن يفيدك.
أنت تضررت نفسياً بسبب الخسارة، وأول شيء يمكنك فعله لمساعدة نفسك على التعافي هو إدراك حقيقة أننا كبشر ليس باستطاعتنا الاختيار دائماً بحكمة، وفي كل مرة نواجه مواقف نحتاج فيها إلى اتخاذ قرار لن يكون بمقدورنا اختيار القرار المثالي دائما. بل سنصيب مرة وسنتعثر في أخرى.
هناك ألف شيء قد يمنعنا من اتخاذ القرار الصحيح. ففي بعض الأحيان قد لا تتوفر لدينا المعلومات الصحيحة، وفي أحيان أخرى قد تؤثر عواطفنا على تفكيرنا، وقد لا يتوافر لنا الوقت الكافي للنظر في ما لدينا من خيارات، أياً كان الأمر، فالفكرة هي أن الظروف التي نتخذ فيها قراراتنا الاستثمارية ليست دائماً مثالية.
من حقك أن تغضب من نفسك وتلومها ولكن لا تثقل عليها وتبالغ في الندم إلى درجة قد تصيب قدرتك على التفكير بالشلل. قد يفيدك الصراخ أو عض أصابعك. افعل أي شيء من شأنه أن يساعدك على التخلص من هذا الغضب (دون الإضرار بنفسك أو بالآخرين) ثم امض واترك ما حدث وراء ظهرك.
حاول بقدر الإمكان أن تكون موضوعياً وانظر إلى ما حدث بشكل نقدي، وابحث عما أخفقت فيه واحرص على تجنبه في قراراتك الاستثمارية مستقبلاً. غرقك في الندم وحديثك السلبي لنفسك عنها لن يفعل أي شيء سوى أنه سيجعلك تشعر بمزيد من السوء تجاه وضع سيء بالفعل.
أموال لم تدخل جيبك
في الحقيقة، نحن لا نندم فقط على القرارات التي قادتنا إلى الخسارة بل أيضاً على تلك التي حالت دون تحقيقنا لمكاسب كبيرة كانت في متناول أيدينا.
على سبيل المثال، بعد أزمة 2008 أحجم الكثير من المستثمرين عن ضخ أموالهم في سوق الأسهم، وقرروا بدلاً من ذلك الانتظار لفترة إلى أن تتحسن الأمور، وهو القرار الذي ندم أغلبهم عليه لاحقاً بعد الصعود الكبير الذي شهده السوق في السنوات التالية للأزمة.
في بعض الأحيان يقود الشعور بالندم المستثمرين إلى اتخاذ قرارات غير حكيمة. حيث غالباً ما تزداد الرغبة لديهم في المخاطرة عندما تتاح لهم فرصة لتعويض الخسارة أو المكسب الذي لم يتحقق. هذا السلوك يطلق عليه خبراء علم النفس "تأثير التعادل". ولكن كيف نقع في هذا الفخ؟