ليت وزير التجارة -وهو المَعْنِيٌ بمكافحة غلاء الأسعار- يتجوّل في أسواقنا وشوارعنا، ويستفسر عن قيمة إيجار المحلّات، كي يُوقِن أنّ أهمّ أسباب غلاء الأسعار هو ارتفاع قيمة الإيجار، سواء في الأماكن التي يقطنها أصحاب الدخل العالي ذوو القدرة الشرائية المرتفعة، أو تلك الأخرى التي يقطنها ذوو الدخل المحدود!.
وكي يُوقِن أيضاً أنّ التاجر المُستأجِر ليس لديه وسيلة لتعويض قيمة إيجار محلّه من جهة وتحقيق أرباح من جهة أخرى سوى رفع أسعاره، والذي يُفْتِي بعكس ذلك هو مثل تلميذ سنة أولى في التجارة، ويحتاج لدروس تقوية للمواد التجارية التي نال فيها دوائر رسوب حمراء!.
وهناك محلّات في أماكن متواضعة تصل إيجاراتها لستين ألف ريال سنوياً وأكثر، وهناك محلّات في أماكن راقية تصل إيجاراتها لمئات الألوف من الريالات وأكثر، مقابل تأجير أمتار محدودة، ومع هذا أتساءل عن كيفية تحقيق التاجر المُستأجِر لدخْل أكبر من قيم الإيجار والمصروفات الأخرى وأجور العمالة وصولاً للأرباح ما لم يُبالِغ في رفع أسعاره؟ أنا أعذره تماماً إذ ليس لديه وسيلة أخرى!.
وارتفاع قيمة إيجار المحلّات يحول أيضاً بين المُواطِن وبين ممارسة التجارة، ويجعله يُفضِّل الوظيفة ذات الراتب المضمون، وكثيرٌ ممّن جازف بممارسة التجارة قد فشل بسبب التمرير الاضطراري لكلّ دخله تقريباً لتسديد قيمة الإيجار، وكأنّه يعمل جابياً سنوياً لصاحب المحلّ، ويذهب عرقُ جبينه كلّه له دون التمتّع بالربح الزُلال، ولهذا عنونْتُ المقال بالإيجار والغلاء والإفشال، أي ارتفاع الإيجار الذي يُسبّب غلاء الأسعار ويُفشِّل المواطن الراغب في مزاولة التجارة!.
وكما أنّ تسعة أعشار الرزق هي في التجارة فإنّ تسعة أعشار الدخل التجاري تذهب لصاحب عقار المحلّ، وتجعله أكبر المستفيدين من التجارة، وهذه تجارة ليست حُرّة كما يُقال، ولا تخضع للعرض والطلب كما يُشاع، بل هي تجارة شبه إقطاعية، ويُسيطر عليها أصحاب المحلّات من هوامير العقار.
وكما بدأْتُ المقال بـ»ليت» أختمه كذلك بـ»ليت»، فليت الوزير يتدخّل لإضفاء العقلانية على إيجار المحلّات بدلاً من الجنون المُتلبِّس بها، وتخفيض الإيجار المدروس بعناية وعدل وإنصاف يجلب المصلحة للمجتمع كلّه وليس للفرد وحده، وهذا مهمّ، ويجلبها كذلك للوطن وليس لهوامير العقار فقط، وهذا هو الأهمّ.