مقال قصير يستحق دقيقتين من وقتك
"فومو" للكاتب ياسر حارب
الساعة الآن الثامنة مساءً أنتَ جالس في بيتك ترتدي ثياباً منزلية مريحة أعددتَ وجبة دافئة جلست بين أولادك أوأسرتك تفتحُ هاتفك فترى صوراً لأصدقائك في مقهى جديد وتحت الصور دعوة لك للحضور...
تنظرُ إلى وجبتك، أحبابك من حولك دون أن تشعر، تُرسلُ اعتذاراً للجروب، فيلحّون عليك بالحضور، وهم يقولون «فاتك»...
حينها تدخل في أزمة نفسية، وتفقد الأمسية متعتها!!!
هذه الحالة تُسمّى فومو FOMO وتعني
Fear of Missing Out
أي الخوف من أن يفوتنا شيء
نخاف من ألّا نعرف «الكوفي شوب» الذي افتُتِحَ قبل أيام.
نخاف من ألّا نتذوق الحلوى الجديدة التي وصلت أخيراً.
نخافُ من ألّا نحضر كل شيء ونجرّب كل شيء، ونرى كل شيء، وربما نعرف كل شيء.
وصار جلوسك في بيتك بعطلة نهاية الأسبوع دليلاً على مقدمات الاكتئاب،
هذا ما يقوله لك أصدقاؤك.
«فومو» أو «فاتك» بتعبير اليوم، ليس ظاهرة اجتماعية محلية أو عربية، بل ظاهرة كونية تجتاح العالم كله، ورغم أنها ليست بجديدة، إلا أنها صارت مهيمنة بسبب «السوشيال ميديا». فعندما تُشاهد شخصاً في فعالية ما فإنك تشعر بالأسى على نفسك.
لا شيء يستفزّ الإحباط والتوتر عند الإنسان اليوم مثل كلمة «فاتك»،
فتشعر حينها بأن ما فاتك هو موعد دخول الجنة،
يقول الدكتور دارلين مكلاجلِن، المتخصص في الطب النفسي والسلوكي بكلية تكساس للطب، إننا صرنا نقارن جودة حياتنا بحياة المشاهير في «السوشيال ميديا»، وأصبحنا نبني حياتنا تبعاً لانتقاد أو مدح الجمهور لكل خطوة نقوم بها، وهذا من أسباب انتشار الاكتئاب بكثرة اليوم.
وفي دراسة أُجريت مؤخرا ، وجدوا أن الإنسان العادي يفحص التنبيهات في هاتفه المحمول 5427 مرة في اليوم، ويقضي بين 76 و132 جلسة تصفّح بمعدل خمس ساعات يومياً، أي ما يعادل ثلث الوقت الذي نقضيه مستيقظين، أو 76 يوماً في العام الواحد.
باختصار: نحن نقضي شهرين ونصف الشهر كل عام في استخدام الهاتف، وغالباً في تطبيقات «السوشيال ميديا».
وقد يسأل سائل:
أين المشكلة، هذا من متطلبات العصر؟
المشكلة هي أننا *نفقد القدرة على الاستمتاع بأي شيء في الحياة* ، لأننا نريد المزيد دائماً، نبحث عن التقدير، وعن محبة الآخرين لنا، وعن رضاهم عنا، وعن تصفيقهم لنجاحاتنا؛ وبذلك فإننا نسحق كل معنى للسلام الداخلي والقناعة، وتنعدم فكرة الرضا عن الذات، لأن ذاتنا حينها تكون مُلكاً للآخرين.
أنا مثلكم أعاني «فومو»، وكنتُ أفحص هاتفي كل دقيقة، لكنني جرّبتُ أن أترك هاتفي بعيداً وأنا جالس مع الأسرة أو الأصدقاء، فاكتشفتُ أن ما فاتني من محبة وسعادة كان أكبر بكثير مما فاتني في الفضاء الاجتماعي.