يبدو ان إعلان ترامب الانسحاب من سوريا فجأة، ليس لتخبط سياساتها الخارجية فحسب، بل انه نتيجة مشكلة داخل امريكا، تتطلب انحسار امريكا دوليا، فبعد ربع قرن على وصولها لذروة قوتها في السياسة الخارجية، بانهاءها القطب السوفييتي، حاولت امريكا تصدير نظامها العالمي الجديد، والذي اتبعته الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية (انقاذ امريكا لاوروبا من هتلر في الحرب العالمية الثانية وضعها كقوة مسيطرة على القرارات الاوروبية) بحيث يتم ربط جميع الدول بمنظومات مالية واقتصادية وأمنية وعسكرية وأممية وقانونية تجتمع خيوطها في امريكا. بهذا الربط يصبح من الصعب على اي بلد ان يعمل بعيدا عن النظام العالمي، بل ويواجه عقوبات تتدرج في القوة حتى يصل لمرحلة الاستسلام. لكن يبدو ان هذا لم ينفع مؤخرا مع الصين، ولم يؤثر الا جزئيا على روسيا مما يعني ان النظام العالمي الجديد بدأ بالانحسار.
الوضع في امريكا ليس جيدا كما كان، فالتخبط في السياسة الخارجية، وحالات الطرد والاستقالات القياسية تشير الى وجود مشاكل حقيقية وخلافات عميقة داخل امريكا، وصلت لاتهامات لأعلى الهرم بالخيانة والعمالة. والخلاف الحقيقي ليس على مستوى السياسيين فحسب، بل حتى على مستوى الشعب الامريكي والذي بدأ بالانقسام الى الآريين الجدد (اتباع ترامب) وباقي الطوائف الامريكية، المعارضين لسياسات ترامب خاصة مع المهاجرين وبناء جدار المكسيك. ويبدو ان العالم الغربي اجمع قد اقر مشاريع لبناء جدار ضخم حول نفسه، منعا لقدوم لاجئين من دول العالم الهاربين من بلدانهم التي تهددها الحروب والازمات الاقتصادية والفقر، وباتخاذ قرارات صارمة ضد المهاجرين واللاجئين، مما حذى بالعالم الغربي ايضا للانقسام بين المؤمنين بالحريات وحقوق الانسان وبين المتطرفين الذين يشعرون ان المهاجرين سيكونون سببا في انهيار الاقتصاد.
الاقتصاد الامريكي، وبعد تحسن سعر الدولار والاسهم الامريكية قبل عام، وهو ماراهن عليه ترامب، بدأ بالانهيار فأسواق الاسهم فقدت ثلث قيمتها خلال الربع الاخير من هذا العام، مما حذى بترامب للاشارة الى امكانية طرد رئيس الاحتياطي الفيدرالي "باول"، قبل ان يتخبط السوق لينقذه وزير الخزانة بتصريح ان ترامب لن يطرد باول
نهاية الاسبوع قام وزير الخزانة بالاجتماع بأكبر 6 بنوك امريكية، ثم اعلن بعدها ان لدى البنوك مالا كافيا للاقراض، وطبعا بعد ازمة 2008 تم التضييق على البنوك الامريكية بقوانين لايقافها عن المقامرة بأموالها التي لاتمتلكها في الاسواق، وبعد الاجتماع كان هناك اتصال بين وزير الخزانة و"لجنة حماية الانهيار" وهي لجنة من المفترض ان ترفع العلم الاحمر ان شعرت ان هناك خطرا يهدد الاقتصاد الامريكي، بعد الاتصال تم طمئنة السوق ان الاقتصاد الامريكي بخير
السوق لم يتحسن بعد كل التطمينات التي حاولت ادارة ترامب نقلها ليغلق السوق على انخفاض 2.7% يوم الاثنين الماضي، ليعود بعدها ترامب ويصرح ان المشكلة هي في الاحتياطي الفيدرالي، ويوم الثلاثاء سرت اخبار ان ترامب سيطرد وزير الخزانة ايضا، وخرج ترامب بنفسه ليؤكد ان لديه الثقة بوزير الخزانة وبالاقتصاد الامريكي
يعيش مايقارب 80% من الامريكيين على الراتب الشهري، حيث انهم لايمتلكون مدخرات مالية، بسبب اثقالهم بالديون البنكية والتضخم، وفي حال تباطؤ الاقتصاد الامريكي فقد يخسر الملايين منهم وظائفهم، ولم تفلح محاولات ترامب الحصول على اموال الاتاوات والمساعدات الخليجية، حيث لاتستطيع هذه الاموال انقاذ اكبر اقتصاد في العالم. وبالتالي من غير المستبعد ان تمتد مظاهرات السترات الصفراء قريبا الى امريكا، بل الى العالم اجمع، فالوضع الاقتصادي في معظم البلاد من السودان لمصر للخليج لايران لتركيا للعراق لاوروبا لروسيا لامريكا للصين ليس جيدا، وكل المؤشرات تدل اننا سنشهد قريبا انفجارا اقتصاديا لانعلم متى سيبدأ. فهل تكون نهاية امريكا من داخلها؟ وهل هذه النهاية ستجر وراءها دولا اخرى؟ الفترة القادمة كفيلة بالاجابة