عزيزي الشاب..
ما أكثرهم: يُحدثونك عن النجاح لتنهجه، وعن الفلاح لتسلكه، وهم في حقيقتهم فاشلون، وأحيانًا قليلة جدًا: ناجحون!
تجّار البرمجة اللغوية قد أرهقوك لا ريب، ولذا فإني أصدق لك من كل هؤلاء؛ فأنا فاشل أحدثك عن الفشل، وأنا الخيبة التي ستروي لك الخيبة، وأنا المستقبل الذي تسير إليه.
قبل أن أسرد لك نصائحي وتجربتي فإني أظن منك التعاطف تجاهي؛ بالسماح لي أن أحدثك عن نفسي قليلا:
لدي حظ لا يغتسل إلا من بصاقي عليه!يرفض احتضاني؛ لكنه يصرّ على السير معي كما ظلي؛ إن تقدمت عنه تأخر، وإن تأخرت عنه تقدّم!
قلة التوفيق تلازمني، ونقص الحيلة يضطجع معي، ويدٌ من الإحباط تخنقني!
لقد تعبتُ وأنا أستروِحُ مِنسَم حظ، ومضى العمر وأنا واقف، وذبلت زهرة حقلي من هجير قحلي؛ فكل طموح شهي: يغتاله إحباط بشع، وكل زينة مُتبسمة: لا تلبث أن تُلطخها غضبةُ إزعاج، وكل أمل رغيد: يستحيل بذهول لألمٍ جديد- حتى غدا الطموح والتزين والأمل مخاوف أتهرب منها، لأني أستشعر منها: صيحة حُزنٍ، ونُذُر شماتة، وتوقع مكروه!
إنجازاتي كبيرة في الوهم والسراب؛ وأما في الواقع؛ فإنّ أشواقي تشنقني، وآمالي تؤلمني، وجَدي(حظي ) لا يجود لي- ولو أني قد قصصت عليكم؛ لقلتم هو: قِصاص!
ولذا؛ فقد قلتُ عن نفسي ذات ضجر: "وأنا امرؤٌ قد شَرِبَ الهم، وأُتْرِعَ الغم، وتَنَفّسَ المُصاب!
ضائقةٌ هي نفسي من كل شيء، مستوحشةٌ من كل بسيط، هروعة لكل بارقةِ حزنٍ تستقي منها غيّمةَ إطراقٍ وتفكير!
كلما أبصرتُ عافيةً عَميتُ بفتنة، وكلما استطالت ليَ مهجةٌ قصّها طريق، وكلما استروحتُ حياةً جاءني قبر!
منايا، وأرواحي الجميلة لا تنقضي".
ولكني سأبقى: أمنيةً جميلة، وقبراً جديد!
وسأظل هكذا: أشيم الغوادي ببصري؛ فإن هي أمطرت فبفضل الله ورحمته؛ وإن هي ضنّت فبعدل الله– وأيضاً: رحمته؛ فلعلها مكنوزة للآخرة!
عزيزي القارئ ..
لعلّك الآن قد مللت مني، ولعله قد تضاءل معك تعاطفك تجاهي؛ ولعل غزوة من جُمل غير جميلة قد بدأت بالتراص في ذهنك؛ يقول أولها: "وإحنا مالنا"!
حسناً؛ سأسبقها وأسبقك؛ لأهديك نصائح فاشل لا يجود بها أحسنُ الفاشلين؛ فخذها على هيئةٍ من نقاط؛ وتقبلها، ثم إيّاك ألاّ تستفد منها:
- إذا ما وقعت في خيارات لا تدري أيها تسلك: فخذ الموجود، ودعِ المأمول!
أو لنقُل– لئلا يتفلسف علينا أصحاب الطموح- : خذ الموجود، واسعّ بعدها - للمأمول!
- احذر من المبالغة في إعزاز النفس وحديث الكرامة، وترديد أصوات الكذبة من الشعراء: "خُلقتُ عيوفاً لا أرى لابن حرة عليّ يداً ... الخ الخ"!
أطعني واجعلها بي: حَسِّن علاقتك مع أصحاب القرار!!
- أنت غير مسئول عن المظلومين في المجتمع؛ لكيما تذهب إلى مظلوم منبوذ: فتعزره وتوقره! ثم بعدها تسقط قيمتك، وتقل هيبتك!
- احذر من البوح بخلجات نفسك وانطباعات ذهنك لأي كائن كان!
- لا تجعل لنفسك صديقاً واحداً: يتذكرك الناس به ويقيسونك عليه: بل كن للجميع، ولا مانع من أن تنفرد بميزة تخصك دون سواك-بدل أن تُلصق بك صفات غيرك الذين هم أقلّ منك!
- المجتمع له شفرة: اختلط به لتستطيع أن تفكها، وتتعرف من بعد على فنياتها. ولذا: إياك من الوحدة والانفراد!
- في كل مكان ( مجلس – مجتمع – دائرة ) هناك شخصية ارتكازية يقوم عليها رأي الجماعة: هذه الشخصية إن كسبتها؛ فقد لان لك الحديد من الأمور.
-لا تكن صلباً فتُكسر، ولا ليّنا فتُعصر.
- النجاح والتميز ليس كله دائر حول فنٍ تتقنه أنت؛ فأكابر التجّار– على سبيل المثال – لم يُكملوا تعليمهم! وقد يحدث أن يكون في صدر المجلس: أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب–بينما يجلس أديب في طرفه؛ بل لربما عند الحذاء!!
- لا تحبس نفسك طويلاً على أملٍ قد طالَ أمدُ تحققه؛ انتقل حالاً إلى آخر مغاير، وشخصية مختلفة، وجرب حظك على هيئة جديدة: كأن تتحول من محب للقراءة والكتابة إلى رجل محب للكشتات وعاشق للشيلات!
حسنًا؛ لا أريد أن أصدمك بهكذا عنف ض: انتقل إلى التجارة ض، وافتتح محل" أبو ريالين"!
- اغلط ولا يهمك؛ فالناس تعاملك بناءً على شخصيتك الحالية!(لا أقصد المحرمات هنا ).
- لا تحكم على الأشياء قبل تجربة: خض غمار الأشياء، فإن فزت فقد نلت، وإن خسرت فقد جربت! ولكن حذرًا: ابتل ولا تغرق!
هذا ما في الجعبة؛ وإن تذكرتُ شيئاً فلن أبخل عليك!
ربع ساعة ــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال ساخر؛ فلا يؤخذ كله مأخذ الجدية.