د. رشود الخريف
كشف تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي الأخير عن ارتفاع حجم القروض الاستهلاكية للربع الثاني من العام الجاري التي بلغت 277.5 مليار ريال (74 مليار دولار)، مقابل 246.9 مليار ريال خلال الربع الأول (65.84 مليار دولار)، وعلاوة على ذلك يُقدر إجمالي قروض بطاقات الائتمان بنحو 7.9 مليار ريال (2.1 مليار دولار) مقابل 7.7 مليار ريال (ملياري دولار) خلال الربع الأول، فيما بلغت القروض الاستهلاكية في 2011 نحو 242 مليار ريال (645 مليار دولار).
هذه الإحصاءات تثير القلق، خاصة أنها قروض استهلاكية، وليست استثمارية أو إنتاجية، ومن ثم لا تعود بنفع كبير على الفرد والمجتمع، لأنها في الغالب سلع وخدمات مستوردة، وهي عبارة عن ترف الحاضر على حساب المستقبل.
لا يقتصر الأمر على زيادة القروض الاستهلاكية، وإنما صعوبة اختيار نوع الاستثمار، فلا يجد الموظف المرتبط بعمل فرصة للبحث عن فرص استثمارية لحماية مدخراته من التآكل مع الزمن. فعند رغبته (أو رغبتها) في استثمار مبلغ صغير، يضطر الإنسان للبحث والدراسة والتقصي الذي يضيع كثيراً من الوقت الذي لا يتناسب مع حجم الاستثمار الصغير أو في المقابل يلجأ للمجازفة في استثمارات عالية الخطورة تفقده مدخراته بالكامل أو الاعتماد على معارفه الذين تنقصهم الخبرة. ويعود السبب في هذا الوضع المأسوي إلى عدم وجود شركات مالية موثوقة تقدم خدماتها بأسعار معقولة لمساعدة الأفراد على اختيار الاستثمار الأمثل لمدخراتهم التي تمثل "تحويشة العمر" كما يُقال!ٍ
لقد أصبحت الحاجة ماسة لوجود مؤسسات معتمدة أو أقسام في المصارف تقدم خدماتها لصغار المستثمرين وتساعدهم في تحديد الخيارات الاستثمارية الآمنة بأسعار معقولة. فقد لدغ المستثمر الصغير في المساهمات العقارية الوهمية أو تلك التي تقوم على الاستغلال وشفط الأموال دون رقيب أو حسيب. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل خسر كثير من صغار المستثمرين في العقار خلال الشهور الماضية، خاصة أولئك المستثمرين الذين دخلوا سوق العقار بعد تضخم أسعاره التي لم تلبث أن انخفضت انخفاضاً حاد في بعض المواقع، خاصة تلك التي يتداول فيها صغار المستثمرين، مما أفقدهم الكثير من أموالهم.
ولدغ مرات متعددة في سوق الأسهم نتيجة الممارسات غير النظامية وغياب الحماية وعدم وتفعيل الأنظمة والضوابط بجدية. ومما زاد الطين بلة، أن هذا المسكين غرق (أو تعلق) في وحل الاكتتابات الخاسرة، نتيجة إهمال الجهات المسؤولة وتفضيلهم لغض الطرف عن المبالغات الكبيرة في تقييم أصول المؤسسات أو الشركات قبل طرحها للاكتتاب العام.
ولدغ المستثمر الصغير ـــ كذلك ــــ عندما وضع ثقته في صناديق الأسهم الاستثمارية التي أسستها معظم المصارف، وخسر ثرواته نتيجة سوء إدارتها واستغلالها من قبل العاملين عليها وزبائنهم من ذوي الأفضلية أو القربى!
عوداً للقروض الاستهلاكية التي توفرها البنوك مع إغراءات كبيرة، أخشى أن تكون هذه القروض حملاً ثقيلاً على كاهل الأسرة وتصبح عائقاً يحد من تنمية مدخرات الأسرة لتأمين مستوى معيشي مستقر خلال مرحلة ما بعد التقاعد. علاوة على ذلك فإن التوسع في منح القروض الاستهلاكية ربما يهدد المجتمع بارتفاع معدلات الفقر ويضاعف أعداد المستفيدين من الضمان الاجتماعي.
إذاً ما الحل؟ لا بد من دراسة الوضع من قبل الجهات المسؤولة دراسة جادة، وأزيد أنه لا بد من حث الأفراد على الاستفادة من تسهيلات القروض لأغراض إنتاجية أو من أجل تنمية أصول ثابتة كتملك مساكن ونحوها. ومن جهة أخرى، ينبغي تقليص حجم القروض الاستهلاكية بسقف معين وعدم إطلاقه بعشرة رواتب أو أكثر. وفي المقابل، من المستحسن تشجيع القروض للمشروعات الصغيرة القائمة على دراسات جدوى. كما ينبغي أن تسهم المؤسسات الخيرية والمصارف في تقديم دورات وورش عمل مجانية متخصصة في دراسات الجدوى وتفعيل المبادرات الشخصية، إلى جانب بذل الجهود لتنمية مهارات إدارة المشروعات الصغيرة لدى الشباب.