توقعت وكالة "بلاتس" النفطية الدولية أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 75.50 دولار للبرميل، مستندة في ذلك إلى مسح أجرته بين 11 مصرفا وشركة نفطية كبيرة، مرجحة قيام منظمة أوبك بخفض إنتاج النفط فى الاجتماع المقبل بنحو مليون برميل يوميا على الأقل.
وذكر تقرير حديث للوكالة أنه "على الرغم من الظروف الهبوطية الحالية فى السوق، فإن نمو الطلب النفطي لا يزال سليما، رغم علامات الضعف العامة الراهنة".
وأضاف أن "المشاركين في مسح "بلاتس" خفضوا توقعاتهم بشأن أسعار خام برنت مقارنة بأوائل الشهر الماضي"، موضحة أنه في ذلك الوقت عندما بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها في أربع سنوات بسبب المخاوف من خسائر كبيرة في العرض الإيراني كانت المصارف تتوقع أن يبلغ متوسط سعر نفط برنت 78.51 دولار للبرميل في عام 2019.
وأشار التقرير إلى أنه بالنسبة إلى عام 2018، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 73.91 دولار مقارنة بتوقعات استطلاع الشهر الماضي التي بلغت 74.40 دولار، ومقارنة بمتوسط سعر خام برنت البالغ 73.26 دولار حتى الآن خلال هذا العام.
ولفت التقرير إلى أن السبب الرئيسي وراء رؤية المصارف لأسعار خام برنت يتعافى من المستوى الحالي هو توقعات بخفض "أوبك" الإنتاج في اجتماعها أوائل كانون الأول (ديسمبر) بنحو مليون برميل في اليوم أو أكثر بهدف دعم الأسعار ومنع وفرة جديدة في المعروض، ومن ثم دفع سعر النفط مرة أخرى إلى مستوى 70 دولارا للبرميل أو أكثر.
ونوه بأن مصارف مثل "إتش إس بي سي" و"سوستيه جنرال" و"باركليز" على قناعة بضرورة إقرار "أوبك" تخفيضات بنحو مليون برميل يوميا على الأقل، وأن أي شيء أقل من ذلك أو أي قرار غير مقنع سيؤدي إلى مزيد من نزيف الأسعار.
واعتبر تقرير "بلاتس" أن المخاوف من تباطؤ الطلب قد تكون مبالغا فيها، مشيرا إلى أن بنك "سوستيه جنرال" يتوقع نمو الطلب العالمي – بمعدلات صحية - بمعدل 1.3 مليون برميل يوميا هذا العام و1.4 مليون برميل يوميا في العام المقبل.
وأشار إلى أن بنك "جي بي مورجان" خفض توقعاته لخام برنت لعام 2019 بسبب الزيادة المتوقعة في العرض من أمريكا الشمالية في النصف الثاني من العام المقبل، حيث يرجح البنك حاليا أن يصل متوسط سعر خام برنت إلى 73 دولارا للبرميل في العام المقبل مقارنة بالتوقعات السابقة عند 83.50 دولار.
فى سياق متصل، توقع محللون نفطيون استمرار تقلبات الأسعار خلال الأسبوع الجاري، بعدما خسر خام برنت نحو 11 في المائة والخام الأمريكي 10 في المائة على مدار الأسبوع الماضي، بسبب مخاوف تخمة المعروض.
ويعتقد المحللون أن الاتجاه الهبوطي مسيطر على السوق النفطية لكنه قد يتلقى بعض الدعم من تحسن مؤشرات الطلب ومن خفض الإنتاج المتوقع من تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها خلال الاجتماع المرتقب مطلع الشهر المقبل.
وفى هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، "إن الإنتاج فى كل من السعودية وروسيا والولايات المتحدة عند مستويات قياسية وفي وقت متزامن، ما يؤكد ضرورة التعامل بشكل آخر مع السوق التي تجتاز بالفعل حالة تخمة ووفرة الإمدادات على نحو حاد".
وأشار شتيهرير إلى أنه من المؤكد أن الطلب فى كانون الثاني (يناير) 2019 سيكون أقل بكثير من الطلب في الشهر المقبل، ما سيجعل المنتجين أقرب إلى اتخاذ قرار بخفض الإنتاج فى محاولة لإنعاش مستوى الأسعار ووقف حالة التدهور المستمرة بعدما خسر "برنت" نحو 20 في المائة في نحو شهر.
من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن كبار المنتجين وعلى رأسهم السعودية حريصون على عدم إغراق السوق بالنفط الخام وهو ما عكسته تصريحات المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أخيرا، حيث أكد ضرورة مراعاة احتياجات الطلب وتقليل الإمدادات بسبب الوفرة الحالية وبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق التوازن والاستقرار في السوق.
ولفت شيميل إلى أن السوق في حالة عدم يقين وضبابية وهو ما سينعكس على تقلبات الأسعار، مشيرا إلى أن ضعف الطلب متوقع بسبب التباطؤ الملحوظ فى النمو الاقتصادي واتساع التأثيرات السلبية للحرب التجارية الأمريكية الصينية على الاقتصاد العالمي.
من ناحيتها، تقول لـ "الاقتصادية"، الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، "إن خسارة الأسعار 20 دولارا لخام برنت في نحو 40 يوما تتطلب خفضا مؤثرا في المعروض، وهو ما تعمل "أوبك" على طرحه بقوة في خلال اجتماع فيينا المقبل"، معدة هذا الأمر يعززه التوافق والتشاورات والتفاهمات المستمرة بين السعودية وروسيا أكبر منتجين للنفط الخام في العالم.
وأشادت كومندانتوفا بحرص السعودية على تفادي حدوث هبوط حاد أشبه بتهاوي الأسعار في عام 2014 بسبب تخمة المعروض، حيث أكدت أن تكرار سيناريو تخمة المعروض قد يقود إلى خسائر حادة للمنتجين ومنهم المنتجون الأمريكيون علاوة على تباطؤ الاستثمارات وانكماش النمو الاقتصادي.
وكانت أسعار النفط قد هبطت في ختام الأسبوع المنصرم أكثر من 6 في المائة إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عام وسط مخاوف من تخمة في المعروض على الرغم من أن منتجين رئيسيين يدرسون خفضا في الإنتاج.
وتنمو إمدادات النفط بوتيرة أسرع من الطلب ولتفادي زيادة كبيرة في مخزونات الوقود غير المستخدم على غرار تلك التي حدثت في 2015، تدرس منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" البدء في تقليص الإنتاج بعد اجتماع مزمع في السادس من كانون الأول (ديسمبر).
لكن هذا لم يكن له تأثير يذكر حتى الآن في دعم الأسعار التي هبطت بأكثر من 20 في المائة منذ بداية الشهر الجاري، بعد سبعة أسابيع متتالية من الخسائر.
وتتجه الأسعار نحو تسجيل أكبر هبوط شهري منذ أواخر 2014، وتتأثر الأسوق أيضا بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكبر اقتصادين في العالم وأكبر مستهلكي النفط في العالم.
ويعتقد فيل فلين المحلل في "برايس فيوتشرز جروب" في شيكاغو، أن "السوق تأخذ في الحسبان تباطؤا اقتصاديا.. هم يتوقعون أن المحادثات التجارية مع الصين لن تسير بشكل جيد"، في إشارة إلى محادثات متوقعة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج أثناء قمة مجموعة العشرين.
وبحسب "رويترز"، هبطت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق 3.80 دولار، أو 6.07 في المائة، لتبلغ عند التسوية 58.80 دولار للبرميل بعد أن لامست في وقت سابق من الجلسة 58.41 دولار وهو أدنى مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017.
وأغلقت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط منخفضة 4.21 دولار، أو 7.71 في المائة، لتسجل عند التسوية 50.42 دولار للبرميل بعد أن سجلت أثناء الجلسة 50.53 دولار وهو أيضا أضعف مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017.
وأنهي برنت الأسبوع على خسارة تزيد على 11 في المائة في حين هبط الخام الأمريكي أكثر من 10 في المائة.
وتزايدت مخاوف السوق من ضعف الطلب، بعد أن قالت الصين "إن صادراتها من البنزين هبطت إلى أدنى مستوى في أكثر من عام وسط وفرة في المعروض من الوقود في آسيا والعالم".
وينمو إنتاج النفط أيضا بوتيرة سريعة هذا العام، وللرد على ضعف الطلب، تتجه "أوبك" إلى خفض إنتاجي مشترك قدره 1.4 مليون برميل يوميا.
ويقول محللون "إنه إذا قررت "أوبك" خفضا في الإنتاج أثناء اجتماعها الشهر المقبل فإن أسعار النفط قد تتعافى".
وكانت التعاملات خفيفة بسبب عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، وما زالت أسعار النفط تتعرض لضغوط من ارتفاع مخزونات الخام في الولايات المتحدة حيث قفزت 4.9 مليون برميل إلى 446.91 مليون برميل الأسبوع الماضي وهو أعلى مستوى لها منذ كانون الأول (ديسمبر).
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، "إن إنتاج الخام الأمريكي ظل أيضا عند مستوى قياسي مرتفع قدره 11.7 مليون برميل يوميا".
وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد الحفارات النفطية هذا الأسبوع للمرة الأولى في ثلاثة أسابيع مع هبوط أسعار النفط لأدنى مستوى في أكثر من عام.
وأفادت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي الذي يحظى بمتابعة وثيقة، "أن عدد الحفارات النفطية النشطة في أمريكا انخفض بمقدار ثلاثة حفارات في الأسبوع المنتهي في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) ليصل العدد الإجمالي إلى 885 حفارا".
وبعد زيادة متواضعة بلغت خمسة حفارات في الربع الثالث من العام، أضافت شركات الطاقة 22 حفارا منذ بداية الربع الأخير.
وعدد الحفارات النفطية النشطة في أمريكا، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، مرتفع عن مستواه قبل عام عندما بلغ 747، مع قيام شركات الطاقة بزيادة الإنفاق هذا العام لتعزيز الإنتاج للاستفادة من صعود الأسعار.