تُعَدُّ السعودية لاعبًا رئيسًا ورقمًا صعبًا ومحركًا مؤثرًا في الاقتصاد العالمي، والسياسة العالمية، وهي رمانة ميزان المنطقة العربية والإسلامية، كما تتمتع بصداقات وتحالفات ونفوذ كبير مؤثر مع كبرى دول العالم، وهي ضامن للاستقرار والسلام في المنطقة التي دائمًا تموج بالصراعات والبؤر الساخنة.
ولا شك في أن أي إجراء من شأنه التأثير على اقتصادها ستكون عواقبه وخيمة على المستوى العالمي، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية؛ وذلك لوزن وثقل السعودية الاقتصادي والسياسي كما سبق الإشارة.
النفط
من نافلة القول إن السعودية واحدة من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم؛ إذ تحتل السعودية حاليًا المرتبة الأولى من حيث التصدير. وتصدر السعودية نحو 10.7 مليون برميل يوميًّا، كما أن لديها مخزونًا احتياطيًّا يقدر بـ 1.3 مليون برميل يوميًّا دون أي استثمار، بينما لديها مخزون استراتيجي يصل إلى 266.26 مليار برميل، يكفي السوق العالمية لمدة 68 عامًا مقبلة.
وبالتالي فإن أي إجراء من شأنه التأثير على السعودية اقتصاديًّا قد يعود ضرره على حركة تصديرها النفط، وانخفاض معدل التصدير؛ وهو ما يعني ارتفاع سعر برميل النفط ليقفز من 80 دولارًا إلى رقم أكبر كثيرًا، لا يمكن توقعه، وهو ما يخشاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ دعا مؤخرًا دول "أوبك" لزيادة المعروض لتخفيض الأسعار التي وصلت إلى 80 دولارًا للبرميل.
ويكفي القول إنه عندما قررت السعودية في شهر يوليو الماضي التعليق المؤقت لـ"جميع شحنات النفط التي تمر عبر مضيق باب المندب" الاستراتيجي بالبحر الأحمر بسبب هجوم الحوثيين على ناقلتي نفط سعوديتين أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وتأثر السوق العالمي سلبًا.
هل العالم على استعداد لخسارة النفط السعودي؟
تصدر السعودية نحو 12.5 % من الاحتياج اليومي للسوق العالمي من النفط، وتنتج وتصدر نحو ثلث إنتاج دول منظمة "أوبك". وتأتي العراق وإيران تاليتَيْن للمملكة في قائمة الدول المصدرة للنفط بمجموع 8 ملايين برميل للدولتين مجتمعتين؛ ما يشكل نحو 10 % من الإنتاج العالمي اليومي، وليس باستطاعتهما مجتمعتين الاقتراب من المعدلات السعودية الكبيرة، بخلاف المشاكل السياسية التي يواجهها البلدان، وعدم استقرارهما، فضلاً عن العقوبات الأمريكية على طهران التي أدت بها لتخفيض إنتاجها.
وحري القول إن العالم ليس على استعداد نهائيًّا لخسارة مصدر مهم للنفط في حال قررت السعودية تخفيض أو إيقاف إنتاجها؛ وهو ما قد يسبب صدمة كبرى في الأسواق العالمية، وخسائر فادحة لا يمكن توقعها أبدًا.
خسارة عقود سعودية ضخمة
أكد دونالد ترامب أنه من الصعب خسارة عقود التسليح التي أبرمتها السعودية مع الإدارة الأمريكية، التي تقدر بنحو 110 مليارات دولار، وذلك في حديثه مع الصحفيين في البيت الأبيض. ولكن الاحتمال الأسوأ أن الولايات المتحدة قد تخسر فرصًا استثمارية تقدر بـ 300 مليار دولار تقريبًا في قطاعات الطاقة والتعدين والصحة والطيران والتقنية والبتروكيماويات والنفط والغاز، إضافة إلى قطاعات الطيران والتصنيع والاستثمار، وفقًا لعقود سبق أن تم إبرامها أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للرياض، وكذلك أثناء زيارة سمو ولي العهد للولايات المتحدة في إبريل الماضي.
فخسارة مثل هذه العقود ستضيع على المواطن الأمريكي فرصًا وظيفية هائلة، كانت ستوفرها تلك العقود. أما الفرص الوظيفية السعودية فيمكن تعويضها من خلال إبرام السعودية عقودًا بديلة مع دول أخرى كبيرة، وهو ما أشار إليه ترامب نفسه في حديثه السابق الإشارة إليه، حينما قال إن السعودية أمامها فرص أخرى هائلة مع روسيا والصين كمثال؛ وعلى ذلك فإن الخاسر الحقيقي هو الولايات المتحدة الأمريكية إن حدث ذلك.
تراجع حجم التبادل التجاري
135 مليار ريال هو حجم التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا لعام 2017م. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية في حجم التبادل التجاري للمملكة مع دول العالم. أرقام مثل هذه قد تتراجع بشدة لصالح تقارب تجاري مع دول أخرى منافسة لأمريكا، وفي انتظار الفرصة المناسبة لإقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع السعودية.
خسارة حليف مهم لصالح الخصوم
هل يمكن تخيل الولايات المتحدة بدون حليفتها المهمة والقوية السعودية في منطقة الشرق الأوسط في منطقة تموج بالصراعات، وتملؤها التوترات؟ فوجود السعودية كحليف قوي، وضامن للاستقرار والسلام في المنطقة والعالم بأسره، ومحارب صارم للإرهاب والتنظيمات المتطرفة، ليس ترفًا، بل هو أمر شديد الأهمية للولايات المتحدة كدولة تسعى دائمًا للهيمنة والسيطرة العالمية، والمحافظة على الأمن والسلم الدوليَّيْن.
وكما للمملكة خياراتها في الجانب الاقتصادي فهي لديها أيضًا خياراتها في الجانب السياسي، والتوجه نحو خصمَي الولايات المتحدة اللدودين (الصين وروسيا) لإقامة تحالف وتقارب، سيكون بمنزلة الضربة القوية لأمريكا، التي قد تخسر إثر ذلك نفوذها في منطقة الشرق الأوسط لصالح خصمَيْها ومنافسَيْها الرئيسيَّيْن. وكما صرح مصدر مسؤول إلى وكالة الأنباء السعودية الرسمية، فإن السعودية إذا تلقت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر؛ لذا فإنه ليس هناك شيء مستبعد؛ فالأسد عندما يجرح لا يمكن توقع رد فعله أبدًا.