الرباط: آمال أبو العلاء لم يكن لمادة الشعير نصيب كبير على المائدة المغربية، إذ كان يزرع في المغرب لأغراض أخرى، وظل الشعير يستعمل من طرف الفقراء في صناعة الخبز خاصة في البوادي والأرياف، نظرا لانخفاض أسعاره مقارنة مع القمح، إذ إن سعر قنطار من القمح يساوي قنطارين من الشعير.
لكن الشعير دخل في صناعة الأكلات المغربية عندما تبينت فوائده الطبية على الجسم خاصة الجهاز الهضمي، لذلك استعادت هذه المادة مكانها مجددا على المائدة، وأصبح الشعير يدخل في تحضير عدد من الوصفات التي كادت تندثر لكنها عادت من جديد، تستعمل من طرف جميع الشرائح سواء كانت فقيرة أو ميسورة. من خصائص الشعير أنه غني بالألياف الطبيعية، لذلك ينصح به كعلاج طبيعي للإمساك، لذا أصبح المختصون في التغذية ينصحون بتناوله في السنوات الأخيرة كأحد الخيارات للاستفادة من خصائصه، ومن ذلك توفره على عدد من المعادن، وفعاليته في تخفيض الكولسترول. ويؤكد المختصون أن تناول ثلاث حصص من الشعير في اليوم يساعد كثيرا في نظافة القولون بدرجة كبيرة، مما يقضي تماما على الإمساك، ذلك أن الألياف التي توجد في الشعير غير قابلة للذوبان، ولا تتحلل داخل الجسم، وتظل في الأمعاء وتمتص كثيرا من الماء. وأثبتت الأبحاث العلمية أن الشعير يلعب دورا كبيرا في الوقاية من داء السكري، ويساعد في علاج مشاكل الهضم. ويمر الشعير بعدة مراحل حتى يصبح دقيقا أو «دشيشة» كما يطلق عليه في المغرب، ويسمى أيضا «البلبولة» وهي شبيهة بالبرغل. بعد حصد الشعير يغسل وتتم تنقيته وبعدها يطحن، وبعد الطحن تتم غربلته واستخراج دقيق الشعير الذي يحضر به الخبز ثم البلبولة التي يحضر منها الحساء الذي يكون إما بالحليب أو بصلصة الطماطم، وفي الآونة الأخيرة أصبحت المغربيات يتفنن في صنع الحساء بإدخال بعض الإضافات، مثل حساء البلبولة بالخضراوات أو حساء البلبولة بفواكه البحر. ومن الأكلات المغربية العريقة «كسكسي البلبولة» الذي رغم تطور وتغير الأطباق فإنه يعتمد نفس طريقة التحضير ويظل هو سيد الأكلات المغربية، وعادة ما تحضر المغربيات «كسكسي البلبولة» في الأيام الباردة نظرا لسخونتها، حيث تزود الجسم بالحرارة. وطريقة تحضير «كسكسي البلبولة» تتم بوضع كمية من الماء في القدر الخاص بالكسكسي، ثم توضع بعد ذلك شرائح اللحم، وغالبا ما يستعمل المغاربة «كسكسي البلبولة» إما مع القديد وهو عبارة عن لحم مجفف بحرارة الشمس، أو لحم الرأس، وتضاف إلى ذلك أربع حبات من البصل وملعقة كبيرة من الملح، وربع ملعقة صغيرة من الفلفل الأسود ونصف ملعقة صغيرة زنجبيل، ثم نصف كأس من الزيت، وتترك هذه المواد لمدة نصف ساعة، تضاف بعدها خضراوات مثل الجزر والحمص والقرع وباقة من الكزبرة والبقدونس بحيث تطهى كل هذه العناصر دفعة واحدة. وفوق «القدر» الكبير توضع آخر صغيرة، مخصصة لعملية «التبخير»، وهي على شكل مصفاة بثقوب يوضع فيها كسكسي البلبولة بعد تبليله بقليل من الزيت والماء، ويترك فوق النار لمدة ربع ساعة، حتى يتصاعد البخار، ثم يوضع بعد ذلك في صحن كبير لتفتيته باليد ورشه بقليل من الزيت حتى لا تلتصق الحبات بعضها ببعض، ثم يعاد لاستكمال التبخير، وتتكرر هذه العملية عدة مرات إلى أن ينضج تماما. وعند تقديم هذه الأكلة يوضع «كسكسي البلبولة» أولا في صحن كبير مصنوع من الطين، يعرف عند المغاربة باسم «القصرية» ثم تضاف إليه قطع اللحم والخضراوات، ويصب فوقه الكثير من المرق، ذلك أن البلبولة تمتص كمية من المرق.