ليسلي هوك من بكين
يعاني تجار الصلب الصينيون من نقص الأخبار السارة هذه الأيام. فأسعار الصلب تتهاوى، والطلب ضعيف، ومن الصعب الحصول على قروض، ولا انفراج يلوح في الأفق.
ويقول أحد التجار في مدينة تانغشان: "لا يوجد طلب". ويضيف: "الوضع أسوأ بكثير من [الهبوط الأخير] عام 2008. في 2008 على الأقل كان هناك مشترون يتحدثون معك. الآن لا أحد على الإطلاق".
وترددت أصداء انهيار سوق الصلب في الصين في جميع أرجاء المعمورة: فمؤشر أسعار خام الحديد، أحد المكونات الرئيسية في صناعة الصلب، هبط إلى 89 دولارا للطن وهو أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات. وبلغت نسبة الهبوط في الشهر الماضي وحده 24 في المائة. وتمثل الصين وحدها نحو 60 في المائة من الواردات العالمية لخام الحديد، السوق التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار سنوياً في جميع أنحاء العالم، وإحدى الأسواق الجوهرية لأرباح شركات التعدين العالمية، مثل بي إتش بي بيليتون، وريو تينتو، وفالي في البرازيل.
لكن الدول التي تبيع السلع للصين، كأستراليا، تحذر من أن الحفل قد انتهى وأن شركات التعدين العالمية تقلص حالياً خططها الاستثمارية بسبب التباطؤ في الطلب الصيني.
وتقول مصانع صلب وتجار حديد في الصين إنهم لا يرون ضوءاً واضحاً في نهاية النفق. والسبب الرئيسي الذي يكمن وراء هذا الهبوط الحاد هو تباطؤ نمو اقتصاد الصين، الذي هبط من خانة العشرات في العقد الماضي إلى 7.6 في المائة في الربع الثاني من هذا العام.
ووفقا لوانغ كينفاي، المدير التنفيذي لشوغانغ، أحد المصانع الكبرى المملوكة للدولة، أحد أسباب تباطؤ الطلب على الصلب، هو أن الصين تغير حالياً نمط التنمية الاقتصادية الخاص بها.
وقال وانغ في مؤتمر في بكين يوم السبت: "نمط التنمية الاقتصادية الذي يقوده الاستثمار ليس مستداما، ولهذا الحكومة تعمل بنشاط على تخفيض معدل النمو (...) لخلق مساحة للتكيف الاقتصادي الهيكلي".
لكن عملية التكيف هذه مؤلمة. ويلخص وانغ مستقبل صناعة الصلب قائلاً: "قدرة إنتاجية هائلة، وسوق مظلمة، وربح هزيل".
ومن الأمور التي تأتي في قمة هذا التحول أن الهبوط الحاد الذي شهدته أسعار خام الحديد على مدار الأسابيع القليلة الماضية تسببت فيه سياسات الائتمان المصرفي المتشددة التي تجبر التجار على بيع مخزونهم في السوق الهابطة، لأنهم لا يستطيعون تمديد قروضهم. وفي وقت سابق هذا العام حذرت الهيئة التنظيمية للبنوك الصينية من تفشي الاقتراض غير الشرعي من قبل تجار الصلب، الذين يستخدمون الصلب ضمانة يقترضون بها الأموال ليستثمروها في سوق العقارات أو البورصة.
ويقول التجار إن لهذه القيود أثرا كبيرا، لأنها تحتم على بعض تجار خام الحديد المستقلين تصفية مخزونهم بخسارة تراوح بين 50 و60 دولارا في الطن، لأنه ليس بإمكانهم الحصول على قروض، بحسب ما قاله وسيط في هونغ كونغ. وأضاف: "إذا نظرت إلى السجلات بالأسعار الحالية، فربما لن يكون هناك كثير ممن لا يعانون الإفلاس. ومع أن مخزون الصين من خام الحديد في المواني حلق بالقرب من مستويات قياسية عالية في معظم العام، إلا أن محللين يقولون إن مستويات المخزون في البلاد بدأت بالانخفاض، نظراً لبدء تعديل المخزون.
ويجد تجار الصلب أنفسهم في وضع يرثى له. ويقول تاجر يمتلك شركة كبيرة في مقاطعة خنان: "علينا تجربة كل السبل المتاحة لبيع [الصلب الخاص بنا] حتى إن خسرنا أموالنا. وسنخسر المزيد إن لم نبعه الآن".
سبب آخر للتراجع المفاجئ في سوق الصلب في الصين هو الهيكل الفريد لقطاع الصلب الذي تهيمن عليه الدولة. وقد حافظت المصانع الصينية هذا العام على مستويات مرتفعة من إنتاج الصلب – حتى إن كانت تخسر – بدلاً من إغلاق أفرانها، لأن العديد من المصانع المملوكة للدولة تتلقى تحفيزاً لتحقيق أكبر قدر من العائدات، بدلاً من الأرباح. وتعني العائدات من مصانع الصلب المزيد من العائدات الضريبية للحكومة المحلية، المالك النهائي للشركات.
ويقول واضعو السياسات إن مساندة الدولة لقطاع الصلب سمحت لبعض مصانع الصلب الأقل كفاءة بأن تبقى طافية. ووفقا لجيانغ فياتاو، وهو نائب مدير متخصص في الصلب في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية المرموقة: "هناك سيطرة كبيرة جداً من قبل الحكومة". لكنه يضيف: "إذا [استمر الوضع الحالي] طويلاً، ستضطر الشركات المملوكة للدولة لإجراء إصلاح".
وإن كان من ضوء في نهاية النفق، فهو أن اقتصاد الصين لن يتوقف تماماً. فالتوسع العمراني في استمرار، ولا تزال الأبنية تشيد، ومن المقرر أن تبدأ في فصل الخريف مشاريع كبرى للسكك الحديدية. وكل هذه الأشياء تتطلب حديدا صلبا، ومن المتوقع أن يكون نمو الطلب على الصلب الصيني إيجابياً هذا العام. لكن بسبب هيكل سوق الصلب في الصين، لن يكون من السهل التعديل من النمو السريع إلى البطيء