أنا رجل أعشق مصر : لم يكن السبب فتاة من " المنصورة " اختلطت فيها الأعراق فشكّلت حُسناً خرافياً ، ولم يحدث لي مثلما حدث لسنتياغو - بطل رواية الخيميائي - عندما سحرته فتاة من " الفيوم " ، ولم يسبق لي أن شربت من مياه النيل ... النيل لا ينتظرك لتذهب إليه ، لو فتحت أي شباك في أي بيت عربي سترى النيل يجري : أغنيات ومواويل وقصائد وهدير وصهيل وحكايات مجد ووجد ونخيل .
لا يحتاج العربي أن يذهب إلى مصر .. مصر تأتي إليه في عقر داره :
من منّا لم يُصب بوجع الشجن المنبعث من نايها وكمانها ؟
من منّا لم يسبق له أن عالجه أحد أطبائها ؟
من منّا لم يقرأ كتاباً خطّته يد أحد مبدعيها ؟
من منّا لم يعلمه أحد مدرسيها ؟
من منّا لم يهتز طرباً على أحد مقاماتها؟
من منّا لم تُضحكه - من القلب - نكتة ابتكرها أحد ساخريها ؟
هي مصر : لها وجودها في ذاكرتنا ، ولها جودها في أحلامنا ..
هي " مصر " .. وكفى ، ويكفي مصر أن تقول : مصر .
يقول التاريخ : لم يقف في وجه التتار - ويهزمهم - إلا رجالها .
يقول التاريخ : منها خرج القائد والجيش الذي هزم الصليبيين الغزاة .يقول التاريخ : انها في رمضان حطمت خط بارليف وكسرت الجيش الذي لا يكسر .
يقول التاريخ : كم أعشق " الجغرافيا " التي شكّلتها !
(2)
أنا رجل أعشق مصر .. وأسبابي لا تعد ولا تحصى .
هل أول الأسباب هي أول هدية يمنحها لي والدي بطفولتي عندما عاد من السويس : بدلة ضابط مصري ؟
أم أن السبب : الشعراوي ، العقاد ، بليغ حمدي ، مصطفى محمود ، زويل ، أمل دنقل ، عبدالناصر ، نجيب محفوظ .. وقائمة طويلة من الأسماء العظيمة في كافة المجالات والإبداعات الإنسانية .
الحب لا يحتاج إلى تبرير ، فأهم أسباب الحب هو : الحب .. نفسه .
(3)
نامت طويلاً ، وآمنت - دائماً - أنها ستصحو قريباً ..
وعندما تصحو مصر : تطرد بقية العواصم العربية النعاس عن عينيها .
وعندما تعتز مصر .. يسري تيار العزة في كافة البيوت العربية ليشعل أضواء الحلم .
مصر / المكان .. الذي يمنحنا المكانة .
مصر التي نحبها قادمة .. فاستعدوا لاستقبالها .
( كتبت هذا المقال وأنا تحت تأثير الخطاب الأخير لفخامة الرئيس المصري في طهران )