قوله صَلَّى الله عليه وَسَلَّم: "إن الله قد زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها مَا زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض" أما زوى فمعناه جمع،
وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به صَلَّى الله عليه وسلم،
قَالَ العلماء: المراد بالكنزين الذهب والفضة، والمراد كنزي كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، وفيه إشارة إلى أن مُلك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب، وصلوات الله وسلامه على رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ( إن هو إلا وحيٌ يُوحَى ).
وقوله صَلَّى الله عليه وَسَلَّم: "فيستبيح بيضتهم" أي جماعتهم وأصلهم، والبيضة أيضاً العز والملك.
وقوله سبحانه وتعالى: ( وإني قد أعطيت لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة) أي لا أهلكهم بقحط يعُمُهم، بل إن وقع قحط فيكون في ناحيةٍ يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام، فلله الحمد والشكر على جميع نِعَمِه.
قَالَ المباركفوري في تحفة الأحوذي:
قوله: "إن الله زوى لي الأرض" أي جمعها لأجلي، قَالَ التوربشتي زويت الشيء جمعته وقبضته، يريد به تقريب البعيد منها، حتى اطلع عليه إطلاعه على القريب منها (فرأيت مشارقها ومغاربها) أي جميعها
"وإن أمتي سيبلغ مُلكها مَا زوى لي منها" قَالَ الخطابي: توهَّم بعض الناس أن ( مِن ) في ( منها ) للتبعيض، وليس ذلك كما توهَّمه، بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ومعناه أن الأرض زويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها، ثم هي تُفْتَحُ لأمتي جزءاً فجزءاً، حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها.
قَالَ القاري: ولعل وجه من قَالَ بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة مَا بلغ جميع الأرض، فالمراد بالأرض أرض الإسلام، وأن ضمير منها راجع إليها على سبيل الاستخدام (وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) بدلان مما قبلهما أي كنز الذهب والفضة، قَالَ التوربشتي: يريد بالأحمر والأبيض خزائن كسرى وقيصر، وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير، والغالب على نقود ممالك قيصر الدراهم.
وقوله (بسنة عامة) أي بقحط شائع لجميع بلاد المسلمين، قَالَ الطيبي: السنة القحط والجدب وهي من الأسماء الغالبة (وأن لا يُسَلِّط عليهم عدواً) وهم الكفار.
وقوله: "من سوى أنفسهم" صفة "عدواً" أي كائناً من سوى أنفسهم "فيستبيح" أي العدو وهو مما يستوي فيه الجمع والمفرد أي يستأصل (بيضتهم) قَالَ الجزري في النهاية أي مجتمعهم، وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم، وبيضة الدار وسطها ومعظمها، أراد عدواً يستأصلهم ويهلكهم جميعهم، قيل: أراد إذا أهلك أصل البيضة كان هلاك كل مَا فيها من طعم أو فرخ، وإذا لم يُهلِك أصل البيضة بما سَلُم بعض فراخها، وقيل: أراد بالبيضة الخوذة، فكأنه شبَّه مكان اجتماعهم والتئامهم ببيضة الحديد.
وقوله (إذا قضيت قضاء) أي حكمت حكماً مبرماً (فإنه لا يرد) أي بشيء لخلاف الحكم المعلق بشرط وجود شيء أو عدمه (وإني أعطيتك) أي عهدي وميثاقي (لأمتك) أي لأجل أمة إجابتك (أن لا أُهلكهم بسنة عامة) أي بحيث يعمهم القحط ويهلكهم بالكلية.
قَالَ الطيبي: اللام في ( لأمتك ) هي التي في قوله سابقاً: ( سألت ربي لأمتي ) أي أعطيت سؤالك لدعائك لأمتك والكاف هو المفعول الأوَّل،
وقوله: ( أن لا أُهلكهم ) المفعول الثاني، كما هو في قوله: ( سألت ربي أن لا يهلكها ) هو المفعول الثاني، (ولو اجتمع عليهم مَن) أي الذين هم (بأقطارها) أي بأطرافها جمع قطر وهو الجانب والناحية، والمعنى: فلا يستبيح عدو من الكفار بيضتهم ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم، وجواب لو مَا يدل عليه قوله، وأن لا أُسَلِّط (أو قَالَ من بين أقطارها) أو الشك من الراوي (ويسبي) ويأسر (بعضهم) بوضع الظاهر موضع المضمر (بعضاً) أي بعضاً آخر، وقَالَ الطيبي: حتى بمعنى كي، أي لكي يكون بعض أمتك يهلك بعضاً.