حكى لنا خويانا مرداس ، وهو صديق لنا من عشرات السنين ، ودائم يطلع معنا في رحلات القنص ، وهو رجل قد تجاوز عمره الآن السبعين عام ، ولكنه رجل ما شاء الله عليه نشيط ، وهو منذو صغره متعود على الصيد ، وشرب حليب النياق ، وقد صقلته الحياة القاسية حتى جعلته مثل السبع الضاري وهو حال معظم سكان القرى النائية الذين يعتمدون أهلها على الزراعة ورعي الأغنام والأبل .
وفي أحد اليالي الخوالي ونحن في الصحراء تحت أديم السماء ، وفي ليلة قمراء من ليال الشتاء ، دارت بيننا السوالف وتذكرنا الماضي والأحداث التي مرت علينا والتي لا تخلوا من الشدة أحياناً ومن المغامرات أحياناً ، وفي بعض الأحيان التعرض لمواقف شديدة الصعوبة بسبب الحياة الصعبة التي كنا نعيش فيها قبل حوالي خمسين عام.
فحكى لنا خوينا مرداس بأنه عندما كان في العاشرة من عمره ، أخذه والده معه إلى أحدى المدن حيث كان يعاني من كحة شديدة أستمرت معه لعدة أشهر ، وقد جرب معه والده عدة أنواع من الأعشاب وعدة صنوف من العسل ، والطب الشعبي ، من كي ومن فصد ولم يترك أي وسيلة يعتقد أنه يوجد بها شفاء له الا وقد أستعملها .
وبعد أن يئس من شفاء مرداس ، وزادة حالته سوء ونحل جسمه وضعف علمه وفهمه قرر والده نقله إلى أحدى المدن التي يوجد مستشفيات لكي يعالجه ويداويه ، فأخذه والده من القرية وأركبه على جمل لهم ، وقد رافقهم في رحلتهم إلى القرية الأخرى أخوه الكبير ، وكانت القرية الأخرى التي ذهبوا لها قرية متطورة نسبياً توصل إليها السيارات في تلك الأيام حيث أن قريتهم شبه نائية ولا توصل لها السيارات .
وكانت السيارات في ذلك الوقت ، شاحنات فور ، أو هاف من نوع شفر ، وكلمة هاف هي كلمة أنقليزية معناها نصف ، لأن الشفر كان غمارة وصندوق ، فهاف يعني نصف غمارة ونصف صندوق ، ولكن أهل القرية يسمونه هاف أي سريع .
وكانت السيارات لا تاتي للقرية الا مرتين في الأسبوع ، يحملون فيها المزارعين أنتاجهم وأهل الحلال حلاهم لجلبه الى سوق المدينة ، وكانت الشاحنة مقسمة الى دورين ، الدور الاسفل يضعون به الحلال ودورالعلوى يضعون فيه الخضروات .
وبعد أن وصلوا إلى القرية الأخرى وجدوا السيارة موجودة في سوق القرية وهي سوف تتحرك إلى المدينة بعد صلاة المغرب .......