يترقّب المجتمع السعودي في شيء من الحذر أحياناً والأمل أحياناً أخرى، بدء تطبيق أنظمة الرهن العقاري خلال الأسابيع القلية المقبلة. الأمرُ بالنسبة للمجتمع بالغ الأهمية؛ كونه يتعلق بواحدٍ من أهم متطلباته التنموية الذي ظل يبتعد تحقيقه على أرض الواقع عاماً بعد عام طوال الثلاثة العقود الماضية، حتى غدا تحقيقه لدى أغلب شرائح المجتمع ضرْباً من المستحيل، إن لم يكن هو المستحيل ذاته! بسبب الارتفاعات المتصاعدة في مستويات أسعار الأراضي ومن ثم قيم المساكن، نتيجةً لعديد من الأسباب والتشوهات التي سبق الحديث عنها في أكثر من مقال ومقام.
السؤال المحيّر في عقل كل رب أسرةٍ سعودية؛ هل من الممكن تملّك منزل العمر بعد تطبيق الرهن العقاري، أم لا؟! فأقول: كون أنظمة الرهن العقاري ستأتي كخيارٍ جديد ضمن (تحفيز جانب الطلب)، في الوقت ذاته الذي لم يحدث أي حلٍ أو مجرد إجراءٍ يعالج التضخم الهائل للأسعار في (جانب العرض)، كفرض رسوم على اكتناز الأراضي الشاسعة، أو الحد من احتكارها وتسويرها دون الانتفاع منها لعدة عقود، إلى آخر الفواجع التي يعاني منها القطاع العقاري من تشوهات تنظيمية وتشريعية على حدٍّ سواء! فإن استمرار مثل هذه الحالة السابقة التي تُعد تشوهاً بالغ الخطورة على الاستقرار الاقتصادي المحلي، وعلى التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد، أؤكد أنه سيؤدي إلى مزيدٍ من ارتفاع الأسعار -على الأقل في الأجل المتوسط- الذي بدوره سيزيد من تعقيد القضية، بل وقد يتجه بها إلى أشكالٍ من الاحتكار لها آثارٍ أكثر تدميراً للتنمية والاستقرار الاقتصادي!
أسوأها؛ أن ملاك العقار والأراضي سيتمكنون من رهن أملاكهم والحصول على سيولة تمكنهم من تملك مزيد من العقارات، ومن ثم تأجيرها أو بيعها بالأسعار التي يريدون! مقابل سقوط أغلبية أفراد المجتمع الآخرين في براثن الفئة الأولى المذكورة أعلاه دون أدنى رحمة.