{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف108) {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (الأنعام153) وروى البخاريّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ أَبَى , قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » (البخاري/6737/) الطريق إلى الله سبحانه وتعالى واضحٌ بيِّنٌ فهو طريق لا تشوبه شائبة، ولا تحجبة غيمة عابرة وهو طريق مستقيم ودين قويم...
هو المحجّة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يحيد عنها إلاَّ هالك، لكن هذا البياض الناصع قد تشوبه كدورة فيختلط بسبب ذلك الحقّ على الناس فيدخل الدَّخَنُ... قد يدخل على هذه المحجّة البيضاء فيعكّر صفاءها، ومع مرور الزمن يصبح هذا الدَّخَنُ بديلاً عن الحجّة الناصعة التي ارتضاها لنا الله ورسوله..
{..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (المائدة3 ) وروى البخاريّ عن حُذَيْفَةَ بنَ الْيَمَانِ يَقُولُ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ : « نَعَمْ » قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ : « نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ » قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيرِ هَديِي تَعرِفُ مِنْهُم وَتُنْكِرُ» قُلْتُ : فَهَل بَعدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ : « نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ : « هُمْ مِن جِلدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ : « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ قَالَ: « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » (البخاري /3338 / ومسلم/1847/)
والدَّخَن: هو لون الكدورة إلى سواد. أي: لا تصفو القلوب لبعضها؛ وقيل الحقد وقيل فساد القلوب وقيل خداع ونفاق وخيانة.
وقد يختلط الأمر على كلّ إنسان بسبب هذا الدَّخَن الذي يكثر في زماننا، فلا بدَّ من ثوابت أساسيّة يركن إليها الإنسان في حياته، ويعمتد عليها في قياساته الفكريّة والمنطقيّة.
فلا بدَّ أن يكون عند كلّ مسلم ثوابت عامَّة في المنهج السليم والصحيح.
ثوابت مستمدّة من الكتاب والسنّة..
تسهّل الرؤية الصحيحة..
تكشف الدَّخَن وتفرزه لك.. حتى لا تكون من الذين يدَّعون التزام السنّة ولكنَّ التزامهم فيه دَخَنٌ، ويدَّعون الهداية ولكن هدايتهم فيها دَخَنٌ..
فإليك أخي بعضاً من هذه الثوابت في المنهج : 1- مرجع المسلمين في كلِّ أمورهم كتاب الله سبحانه وتعالى وسنّة نبيِّه صلّى الله عليه وسلَّم.
2- من الثابت عند المسلمين تلازم الكتاب والسُّنَّة بوصف ذلك منهاجاً ثابتاً في حياة المسلمين.
فأنت تقرأ قوله تعالى: {أقيموا الصّلاةَ وآتوا الزكاة} ولكنك لا تجد بيان عدد ركعات الصلاة ومقدار نصاب الزكاة في كتاب الله سبحانه وتعالى.
وقد تسمع دعواتٍ تدعو إلى العودة إلى القرآن دون الاهتمام بالسنَّة، وهذا ما حدَّث عنه نبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم محذراً فعن المِقدَامَ بنَ مَعدِي كَرِبَ قالُ : حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ: « يُوشِكُ أَحَدُكُم أَن يُكَذِّبَنِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِن حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِن حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ » ( أحمد والترمذي) وهذه من الأمور التي تُبعِد عن المنهج الثابت عند عامّة المسلمين.
3- إنّ الحقّ ليس بحاجة إلى أن تكذب له أو تكذب عليه.
فهو ليس ناقصاً ليحتاج إلى تكميل، وليس فيه من الزوائد فيحتاج إلى تقليم.
لذلك حذّر الإسلام تحذيراً شديداً من خطورة الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَن كذبَ عليَّ عامداً فليتبوَّأ مقعده من النار» ( متّفق عليه.) وعَن سَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ » (مسلم /1/) وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » ( مسلم /6/)
فلا بدَّ لك -أخي- عندما تروي حديثاً أن تتأكّد منه حتّى لا تدخل في هذا الباب الخطير... ولتكن عندك الجرأة -عندما تسمع حديثاً - أن تسأل عن صحّته وسنده، فهذا أسلم لكَ ولدينك.
4- إنّ شروط العمل المقبول عند الله الإخلاص والصواب.
فهذان الشرطان لا بدَّ أن يجتمعا في العمل عند الإنسان المهتمّ برضى الله سبحانه وتعالى.
فالإخلاص: هو ابتغاء ما عند الله، وعمل أيّ عملٍ من أجل الله سبحانه وتعالى.
والصواب: هو أن يكون العمل مطابقاً لما جاء به الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
5- المسلم لا يفعل أو يترك شيئاً إلاَّ بدليلٍ صحيح:
أي أنّ المسلم في تصرّفاته كلّها.. بيعه وشرائه.. زواجه وطلاقه.. علمه ودراسته.. يحتاج إلى دليلٍ شرعيٍّ صحيح.. فحياة المسلم محكومة بأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه.
6- الالتزام بما صحَّ عن علماء هذه الأُمّة لا سيما في المسائل المتنازع فيها:
"فالمذاهب الفقهيّة المدوّنة المحرّرة حصنٌ لنا نحن عامّة المسلمين من الضلالات المنتشرة باسم الدين في هذا العصر، ووقاية من الفتاوى الباطلة التي يسمعها المسلم كلّ يوم... فالمذاهب المدوّنة المحرّرة التي سار عليها الأئمة المجتهدون، وسار عليها بعد ذلك أتباعهم من كبار علماء المسلمين في مختلف العصور تعتبر جادّة وسط طريق الحقّ، فمن سار فيها ضَمِن لنفسه عدم الخروج عن طريق الحقّ ما دام يسير فيها" (صفحات مضيئة في التصور والسلوك -إسماعيل المجذوب) هذه بعضٌ من ثوابت المنهج لو ركّزها المسلم في منظومته الفكريّة لاستطاع أن ينجو من هذا الدَّخَن الذي نراه في ديننا الحنيف.
فابتعادك -أخي - عن الدَّخَن بهذه الثوابت يقرّبك من المحجّة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتكون بذلك قد ضمنت بعون الله تعالى طريق الوسطيّة التي أرادها لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.