عندما يتحدث شخص مطلع عن الأعمال العدوانية للفرس تجاه الأمة العربية و عن مشاريعهم ضدها، ينتفض الكثير من أبناء أمتنا العربية ليقول لا عدو غير إسرائيل، فإسرائيل العدو الأول للعرب و الأكثر خطرا على الأمة العربية و....، بل يوجد بين العرب من يصنف إيران(بلاد فارس) ضمن الدول الصديقة. مما جعل الكثير منا يتساءل عن المقاييس التي على أساسها تحدد أمتنا العربية أعدائها من أصدقائها.
هل مقياس تصنيف الصديق عند العرب هو الاشتراك في الدين و يصنف العدو من خلال احتلال الأراضي العربية و الممارسات العدوانية أم..؟ فلنتطرق إلى هذه المقاييس بطريقة مختطفة ربما قد نتعرف على جانب من واقع الأمة العربية.
إذا كان المقياس الاشتراك أو عدم الاشتراك في الدين
بمعنى كل من يشترك معنا في الدين هو صديق لنا و كل من يختلف بدينه معنا فهو عدو. فهذا المقياس يفتقر للموضوعية و يتناقض مع الروح الإسلامية، لأنه يتنافى مع روح التسامح و المحبة و التآخي التي يتمتع بها العرب.
فمنذ مئات السنين تعايش السواد الأعظم من العرب المسلمين مع أشقائهم العرب المتدينين بالديانات المسيحية و اليهودية و المندائية و... و لم تكن لديهم مشاكل، إلا في بعض الأحيان. كما أن العلاقات الطيبة و الإستراتيجية للكثير من الأقطار العربية مع الدول المسيحية أو غير المسلمة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال عدم الأخذ بمقياس الدين فقط في العلاقات مع الطرف الآخر. لذلك العرب في تصنيفهم العدو و الصديق لم يأخذوا بمقياس الاشتراك في الدين دون غيره. و في حال أخذ البعض منهم بهذا المقياس فهذا لا يعبر عن موقف رسمي و لا يحسب على كافة العرب قيادة و شعبا.
إذا كان المقياس هو احتلال الأراضي العربية بغض النظر عن هوية المحتل و ديانته
يعني كل من يحتل أراض عربية هو عدو و غيره أي من لا يحتل أراض عربية فهو صديق و تكون علاقاتهم معه طبيعية. فهنا سؤال ملح يطرح نفسه على الجميع،إذن لماذا إسرائيل عدوة للعرب و إيران ليست عدوة؟
فإسرائيل تحتل فلسطين 26323كم2 و مزارع شبعا200 كم2 و الجولان السوري1200 كم2، و إيران تحتل الأحواز 375000 كم 2 و الجزر الإمارات العربية المتحدة (طنب الكبرى و طنب الصغرى و أبو موسى). و لو حسبنا مساحة الأراضي العربية التي تحتلها إيران مقارنة بالأراضي التي تحتلها إسرائيل، لتبين لنا أن إيران تحتل أراض عربية تزيد بالأضعاف عن الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل. و لكن ما هو جلي على الساحة العربية من مواقف و سياسات (شعبية و أنظمة) نرى أنه لم يُؤخَذ بهذا المقياس و لم يُوَل قليلا من الاهتمام و إلا كيف يمكن للإنسان العاقل أن يفسر العلاقات العربية الإستراتيجية و السياسية و الاقتصادية و.. مع إيران رغم إن الأخيرة تحتل أراض عربية شاسعة تعادل بلاد الشام بأسرها(سوريا و الأردن و لبنان و فلسطين) و تزيد عنها أكثر من 60 ألف كيلو متر مربع.
إذا كان المقياس الممارسات العدوانية ضد الشعب العربي
رغم أن احتلال الأراضي هو فعل عدواني و مدان بحد ذاته و لكن جدلا لو غضضنا الطرف عن الأراضي المحتلة فارسيا و إسرائيليا و عن الممارسات العدوانية التي تُرتَكَب في هذه الأراضي، و أخذنا بعين الاعتبار الأفعال العدوانية و الإجرامية التي تصدر من هاتين الدولتين ضد الأقطار العربية الأخرى ذات السيادة، سنرى الخروقات و التدخلات الفارسية في شؤون الأقطار العربية لا تقل عن التدخلات الصهيونية بل قد تتخطاها في بعض الأحيان من حيث الشدة و نوعية الانتهاك، كما هو حاصل للعراق الشقيق، فالنظام الفارسي بواسطة فيلق القدس و فيلق بدر يرتكب الكثير من العمليات الإرهابية و التطهير العرقي و الطائفي و التصفية الجسدية بحق كل من يتمتع بشعور قومي و وطني و كما يعمل الاحتلال الفارسي على تفريغ كامل للعراق من الطاقات الفكرية و المهنية عن طريق الاغتيالات المنظمة.
و لكن العرب لم يأخذوا هذا المقياس بعين الاعتبار في تعاملهم مع الدولة الفارسية و إلا كيف يمكن تسمية العلاقات الوثيقة و الإستراتيجية بين بعض من الدول العربية مع الدولة الفارسية و أيضا العلاقات الطيبة للجزء الآخر من الدول العربية مع الفرس.
من المفروض منطقيا و من باب الحرص على الأمة العربية و مستقبلها أن تُصَنف إيران ضمن الدول المعادية للأمة العربية وأن تُجعل جنبا إلى جنب العدو الصهيوني و أن يتم التعامل معها مثل التعامل الحالي مع الكيان الصهيوني، لأن جميع المقاييس الموضوعية و الأفعال التي تصدر منها تصنفها ضمن الصف المعادي للعرب.
و لكن من المؤسف أن ما نراه على الساحة العربية يوحي لنا أنه لا توجد مقاييس واضحة للأنظمة العربية لتشخيص أعدائها من أصدقائها كي تتعامل معهم بالطريقة المناسبة.
و هذا ما جعل بعض الدول و منها إيران تنتهز هذه الحالة العربية و تسمي نفسها صديقة للعرب و تعزز مكانتها في الشارع العربي، بُغية الاستمرار في ممارسة الأعمال العدائية و تنفيذ مشروعها التوسعي على حسابهم و هذا ما نراه منذ عقود يحدث ضد العرب.
و رغم أن جميع المعايير و المقاييس تصنف إيران ضمن الدول المعادية لكن الإعلاميين و السياسيين العرب لم يتطرقوا إلى الفرس و أفعالهم العدائية و حتى و إن تطرق البعض، يتطرقون باستحياء و هذا ما يجعل أفكارهم و خطاباتهم فاقدة للموضوعية و يجعلها في حالة من التناقض و غير مثمرة و غير مؤثرة على عقلية الإنسان العربي.
لذلك من الأحرى بكل من يهتم بشؤون الأمة العربية، و يتحدث و يكتب عن مصالحها، و عن التهديدات و التدخلات الأجنبية و بالأخص الأميركية و الإسرائيلية و خطرها على الأمن القومي العربي أن لا يتجاهل التهديدات الفارسية للأمن القومي بل من باب أولى أن يتطرق للأفعال العدوانية التي تقوم بها الدولة الفارسية في الأراضي المحتلة (الأحواز و الجزر الإماراتية) و في العراق و لبنان و اليمن و البحرين... و أن لا يتجاهلها.
إيران(بلاد فارس) دولة معادية للعرب حالها، حال الكيان الصهيوني شئنا أم أبينا. و من الأفضل أن لا نوهم أنفسنا و نوهم الآخرين باعتبار إيران دولة صديقة، فهي تحتل مساحة أراض عربية أوسع بكثير من الأراضي التي تحتلها إسرائيل و ترتكب مجازر بحق الشعب العربي الأحوازي أسوة بالمجازر الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني و تبني المستوطنات داخل الأحواز على غرار المستوطنات اليهودية داخل فلسطين و تسرق الآثار العربية العيلامية من الأحواز مثلما يفعله الكيان الصهيوني في القدس و تمارس سياسة التفريس في الأحواز كسياسة التهويد في فلسطين...
إن الاحتلال الفارسي للأرضي العربية الأحوازية و الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية الفلسطينية هما وجهان لعملة واحدة، فلا يجوز الاهتمام بقضية واحدة و ترك القضية الأخرى و إنما من الواجب التحدث عن القضيتين و الاهتمام بهما و ذكر الاحتلال و المعاناة العربية في القطرين بشكل متساو. و من لم يلتزم بالقضايا العربية و من بينها القضية الأحوازية التي هي من أهم قضايا الأمة و تؤثر مباشرة في صميم الأمن القومي العربي و لم يعطها حجمها و حقها سياسيا و إعلاميا و... فالتاريخ لا يرحمه و سيأتي يوم سيحاسبه التاريخ و سيحاسب من قبل الجماهير العربية.