يُحكى أن وعلاً متكبراً، مغروراً، كان يناطح كل مافي طريقه من الحيوانات الأليفة، البريئة، الضعيفة، فتهوي متردّية في سفوح الجبال، بغضاً فيها وحقداً عليها تارة، وطمعاً في مأكلها ومشربها تارة أخرى، ولإثارة إعجاب المصفقين والمشجّعين له تارة ثالثة. وذات مرّة، بلغ به الاغترار بقوته وسطوته، وحبه للظهور والتجبّر مبلغاً إلى حد أنه فكّر أن ينطح جبلاً شاهقاً كان يستعصي حتى مجرد تسلّقه، وكان هذا الجبل من العِظَم والارتفاع بمكان حتى أنه كان مهلكة لكل من يحاول ارتقاءه أو الصعود عليه. ففكّر، وفكّر، وقال في نفسه: أنا وعل واحد، ولو نطحت ذلك الجبل العظيم بمفردي فسأهلك لا شك، ولكن لو ساعدني إخوتي الوعول في نطحه لأطحنا به ولهوى متناثراً، ولنالني من الذِكر والمكانة والمغانم ما يكفيني أبد عمري. وفي اليوم التالي، حشد كل الوعول الغبية، المغفلة، بعد أن وعدها بأن ينالها شيءٌ من المغانم إن هم نجحوا في إسقاط الجبل!!
حانت ساعة الصفر، وبدأ كل وعل من هذه الوعول الحمقاء ينطح الجبل بقرنيه الطويلين، وكانوا مع كل نطحة يتذكّرون وعود صاحبهم الأحمق الكبير، فتزداد نطحاتهم شدّة وقوة، ويزداد معها انبعاث دمائهم التي بدأت تسيل من شدة ارتطامهم بالجبل الشامخ الثابت. ظلوا على هذا الحال أمداً، حتى أتت عليهم لحظة أيقنوا فيها مدى غبائهم عندما أطاعوا صاحبهم المغفل، خاصة وأن أحسنهم حالاً قد تكسّر قرناه، وشُجّ وجهه، وتسايلت دماؤه من رأسه، وأوشك على الهلاك.
فتشاوروا، وأجمعوا أمرهم على ترك صاحبهم وفكرته المجنونة، والنجاة بأنفسهم قبل أن يهلكوا ويكونوا أحاديثاً تُروى وقصصاً تُحكى. أما الوعل المغرور فأصرّ، وعاند، واستكبر، وأبى إلا أن يمضي في فكرته المجنونة، رغم كل الشواهد التي تبرهن على استحالة تحقيق ما وسوس له به شيطانه، فراح يواصل نطح الجبل العالي، ويضربه، ويركله، ويشتمه، ولم يغادر أسلوباً من أساليب الأذية والإضرار والجرح في جعبته إلا وأتى به!
وفي لحظةٍ ما تشبه لحظة هيجان الثور، استجمع كل ما بداخله من مخزون الغباء، والكبر، والغطرسة، والطمع، والعناد، والحقد، وابتعد مسافة بعيدة جداً عن الجبل ثم اعتلى قمة تلّة رفيعة، وقال في نفسه: كل من ناطحتهم لا يصمدون سوى دقائق أمام قوتي، والآن سترى ما أصنع بك! ستتحطم إلى حجارة كثيرة وحصى صغير، وستكون حديث الأولين والآخرين! وركض نحو الجبل بسرعة شديدة كاد بها يسابق الريح (حتى تكون الضربة القاضية على الجبل التي لا تبقي منه ولا تذر! حسب تفكيره الساذج)، وفي ثوانٍ معدودة، وبدلاً من أن يهدم الجبل، هدمهُ الجبل! وتمزق إلى 354 شلو -حسب رواية من شهد هلاكه- وفي رواية أخرى تمزق إلى 357 شلو، إلا أن الثابت أن قطعان الوعول ظلّت تبحث مدة عامين كاملين عن بقايا مفقودة من أشلائه. وفي نهاية العام الثاني، عثر أحد الوعول على آخر جزء مفقود من الهالك المتغطرس على أحد الجوانب المرتفعة من ذلك الجبل الشامخ، فكتب على صخور الجبل العالي العبارة التالية: “على هذا الجبل الشاهق هلك صاحب أقوى قوة عرفتها فصيلة الوعول، لا ضعفاً في بنيته وإنما بسبب غروره وعناده”، تاركاً بقايا مُمزَقِه شاهدة فعلية على أن الكبر، والطمع، والحقد، والغباء، ما اجتمعت في كيان إلا وأوردته المهالك.
يا ناطـــح الجـبـــــل الأشـــــمّ ليوهِنـهُ
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبلِ !
هذا بالضبط حال الحكومة التي جعلت الوعل علامة لطيرانها ، وأذوا ورعانها جيرانها.